أفلت يدي ولا أستطيع ذلك وأصرخ وأبكي وصوتي كان منكراً حتى في عيني ولكن ما كنت أتمالك نفسي من البكاء وأرى أحدهم في قربي يحنو علي ولا أذكر شخصه وأرى ذلك كانه ظلم أو يكاد يكون ظلماً ولكني أذكر إنهما كانتا اثنتين وكان صوتي يؤثر فيهما فكانتا تسمعان صوتي ولكنهما لا تنقذاني مما أشكو منه ثم أصرخ بشدة أيضاً فيريان أنه من اللازم أن أكون مقيداً في قماطي وأنا أرى أنه ليس كذلك وأريد أن أثبت لهما ذلك وأصرخ صوتاً حاداً كانت نفسي تنكره ولكن لم أكن أتمالك منه وأشعر بالظلم والقسوة لا من الناس فقط بال من الأقدار إذ كنت أشهد الناس يرثون لحالي وكنت أشفق على نفسي ولا أعرف ذلك ما هو ولن أعرفه عندما كانت سني تزيد على السنة.
وعلى الجملة فقد كأن ذلك من المؤكد أول تأثر بل أشده شهدته في حياتي ولا أذكر صوتي والأمي فقط بل أذكر مزاجي واختلاف تأثراتي. أطلب الحرية وهي لا يتضرر بها إنسان وأنا على حاجتي إلى القوة ضعيف وهم الأقوياء وكذلك أذكر عندما كانوا يغطسونني في القادوس وقد جعلت فيه رائحة زكية جديدة يمسحون بها جسدي واستلذ جلوسي في القادوس وهو صقيل لطيف والماء فاتر خفيف ويد مربيتي تروح وتجيء تدلك بدني. وهاتأن الذكريتان هما اللتان أذكرهما منذ ولادت إلى الثالثة من عمري بل إلى الخامسة لا أكاد أذكر السماء ولا الشمس ولا الورق ولا العشب. بحيث ساغ لي أن أقول أني عشت عيش البهيم أيام كنت أتعلم وأنظر وأنصت وأحاول أن أتكلم وأنام وأرضع وأضحك وأسر والدتي في ذاك العهد حصلت ما أعيش به الآن حصلت به في مدة وجيزة بأقصى ما يمكن من الكثرة بحيث أني لم أستطع أن أزد وأحداً في المئة على هذه المعرفة. وليس بيني وبين ابن الخامسة سوى مسافة لا تصدق وليس بين الجنين والولادة سوى هوة وليس بين العدم والجنين سوى شيء صعب تعليله ومعرفته. وهنا يقال أن الوقت والسبب هما صور الفكر وأن الوقت والسبب هما من الفكر وأن معنى الحياة خارج عن تلك الصور بيد أن حياتنا كلها سوى الخضوع المتواتر لهذه الصور أو الخلاص.
أما تذكاراتي القصية فإنها ترجع إلى السنة الرابعة أو الخامسة من عمري وكلها قليلة لا تتعدى حد البيت والعيش المنزلي وما أنس لا أنس في طفولتي وأنا على سروري فرح مبتهج ووصيفتي أو اللائي عهد الهين تربيتي تقص علي قصة ايرميفتا (كما تخوف عامة