مجله المقتبس (صفحة 1113)

هذا شحإذا يستو كف الأكف وهو شبيه في خلقته بأبي بل أشدنا به شبهاً ثم يجيء ويطلب منا أن نحسن إليه بشيء من المال ويسر بما ندفعه إليه من عشرة روبلات أو خمسة عشر. ثم تنحى والدي عن الخدمة ونال راتب العزل ولحق بجدي في قازان وكان حاكمها وبعد قليل ذهب جدي إلى سبيله وأصبح والدي رب أسرته مع جدتي المعتادة على البذخ والديون مثقلة كأهل بيتنا وعندئذ تزوج والدي بوالدتي على نحو ما شرحته آنفا من أمرها.

كان والدي دموياً ربعة القوام مقبول الوجه كثيب النظر يعنى بأمور زراعته ولم يكن معروفاً بالقسوة بل كان إلى الضعف أقرب بحيث أني لم أسمع إنه كان يضرب فلاحيه على أجسادهم على نحو العادة المتبعة في هذه الديار على أنه لم يبلغني إنه كان في بيتنا أثر لهذه العقوبات إلا بعد موته. وحدث ما شئت أن تحدث عن مبلغ استغرأبي يوم كنت آتياً من نزهة لي مع مؤدبي وسأل أحدنا وكيلنا وكان مع سائس الخيل عن المكان الذي يقصده فقال له أنه ذاهب إلى الأنبار ليضرب السائس على بدنه ورحت من ساعتي أسأل خالتي عن سر ذلك وكانت هي تكرر العقوبة بالضرب فلامتني على أني لم أوقف ذاك الوكيل عن عمله ولكن بعد أن سبق السيف العذل.

كان أبي مصروفاً إلى الزراعة وفض القضايا التي خلفها له والده وكان يذهب إلى الصيد ويحب المطالعة كثيراً وقد اقتنى مكتبة فيها كتب آداب الفرنسيس وبعض كتب العلم وإلى على نفسه أن لا يبتاع كتاباً جديداً حتى يأتي على ما لديه من الأسفار ويطالعها برمتها ولم يكن به ميل إلى العلوم. بيد إنه كان في علمه يعادل المتعلمين من أهل عصره ولا يصح أن يسمى من الأحرار في دهره بل كأن يكره كل تغيير شيء من حاله فلا يخضع للكبراء ولا يزور الموظفين بل ولا يزورنا واحد منهم لما كان بينه وبين أهل الحكم في ذاك الوقت من التباين الضمني في المبادئ والغايات.

وأني لا أذكر والدي وهو جالس على ديوانه يدخن بغليونه وأذكر صيوده وأذكر أيامه واجتماعنا به وتحفيظي شيئاً من شعر بوشيكن وكيف أعجب بتلاوتي له. نعم أذكر رحلاته وغدواته ما كان يفيضه علي من حسناته وإحسانه وأذكر حبه وحبي ذلك الذي شعرت به بعد موته أكثر من شعوري به من قبل. وهنا استطرد إلى ذكر شيء مما علق بذهني من أمور طفولتي أذكرها وأنا لا أثتثبت بعضها حقيقة أم خيالية. ولقد كنت في القماط وأريد أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015