ما أمحت أماني الفرنسيين في البراز الأخير من هذه الشعوب من هذه الحرب الشؤمة حتى ذكر مونو الذي كأن يسعى بين جثث جرحى الحرب يائساً - أنه مؤرخاً وأخذ يؤلف كتابه (الألمان والفرنسيين) نأقلاً فيه مشاهداته منذ بلغ مدينة (راكور) من أعمال اللوريين إلى ذهاب نابليون الثالث وفي هذا الكتاب طبق مونو نظرياته الفلسفية التي كان يعملها تلاميذه. وأنك لتقرأ من خلال سطوره أسلوباً مشبعاً بالجد والتؤدة براء من كل طعن أو تعريض دالاً على أن مونو من المؤرخين الذين يرون أن التصريح بالحقيقة كيفما كانت أنفع الطرق وأسماها. من أجل ذلك كان الكتاب من أثمن ما كتبه المعاصرون عن هذه الحرب. وإن أسباب غلب الفرنسيس يتمثل أمام أنظار القارئ في كل صفحة من صفحاته حتى كانت حرية وجدان المؤلف وصدق لهجته المعزز بالآراء العلمية سبباً لنحت أسئلته على السن مدعي الوطنية الغارقين في لجج الخيال.
ومما فطر عليه المترجم به استيلاؤه على غايات التواضع فلا يريد أن يصفق له ولا أن يستحسن عمله مكتفياً بتسليم ما اهتم بجمعه من الخزائن إلى فريق خاص غير طالب لقاء ذلك شهرة أو سمعه وأن المصفي إلى مونو ليحار من أصوله وتبحره الواسع وتدريسه القويم مع قلة اهتمامه بالخطأبيات. وإذا وجد في المجالس التي ترجح التؤدة والكون أنصت حتى إذا سخت له - والقوم في أثناء المناقشة والحوار - سانحة تلألأت جبهته المفكرة وأبرقت عيناه من وراء نظارتيه الذهبيتين وترك قلمه ومذكرته وأخذ يلقي على السامعين ما يظهر له بعواطف شديدة ولسان مبين. وأنك لترى الجهل واللهو والعيون الساهية قد انتبهت كلها مغلوبة لما فتح أمامها من أعماق مناظر الماضي الفسيح.
وبعد فإن تأثيرات مؤرخنا الفاضل في التدريس لا تظهر من مؤلفاته لا من تعاليمه في دار المعلمين ولا من كتاباته في المجلة التاريخية التي تولي أدارتها أكثر أيام حياته بل من محاوراته الخاصة مع تلاميذه ورفاقه في التحرير ومع أصدقائه وقد خاطبه صديقه أرنست لافيس في خطبة ألقاها يوم احتفال إحدى الكليات قائلاً: (أنك لتلقي بنفسك إلى التهلكة لتخلص غيرك منها ولا تمنع نصائحك ومعونتك عن أحد وأنك لتسرع إلى مكاتبة المشتغلين بالبحث عن الحقيقة وسلامة البشر مهما كانت نحلتهم وقوميتهم).
ومن نتائج أبحاث مونو المثمرة في ألمانيا اجتهاده في تفهيم جميع تلاميذ المدارس معنى