مجله الحقائق (صفحة 1080)

خلاصة الرحلة الشرقية

ثم قررنا عند قوله (قومهم) أن إضافة القوم هنا للعموم ومعلوم أن الجمع المضاف من صيغ العموم فتفيد الآية أنهم ينذرون بما تعلمون من الفقه كل فرد من أفراد قومهم فيبطل ما يزعمه بعضهم من أن لأهل التصوف أحكاماً خاصة يتلقونها بطريق الباطن قال أبو إسحاق الشاطبي لم يشرع الله تعالى إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه منه الصحابة ثم العلماء.

والتصريح بإبطال أن يكون للعارفين بالله أحكام تخصهم في سد لباب الخروج عن تقاليد الشريعة زيادة عن كشفه عن الحقيقة فإن فتح هذا الباب يفضي إلى أن ينبذ كثير من الناس الجادة بدعوى أنهم بلغوا درجة الولاية وأنهم متعبدون بأحكام باطنة وأهل التصوف الخالص أنفسهم يصرحون بهذا قال الإمام الجنيد حسبما نقله الزركشي في شرح جمع الجوامع من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لن يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة.

ذكرنا استدلالهم على أن خبر الآحاد حجة. ثم قلنا اشتهر بين الأصوليين أن خبر الآحاد حجة في العمليات وأما المسائل العلمية فلا يتمسك فيها إلا بقاطع قال الإمام في المحصول إن ورد خبر الآحاد في مسألة علمية وليس في الأدلة القاطعة ما يعضده رد وإلا قبل. واختار الشيخ ابن عرفة أن المسائل العلمية التي لا ترجع إلى العقائد يكتفى فيها بالأدلة الظنية كخبر الآحاد إنما يشترط القطع في العمليات الراجعة إلى العقائد الإيمانية.

واستطردنا هنا مسألة اعتراض خبر الآحاد لقاعدة كلية وأوردنا في مساقها ما ذكره أبو بكر بن العربي في تفصيل مذاهب الأئمة الثلاثة وهو قوله إذا جاء خبر الآحاد معارضاً لقاعدة من قواعد الشرع هل يجوز العمل به أو لا فقال أبو حنيفة لا يجوز العمل به وقال الشافعي يجوز وتردد مالك في المسألة ومشهور قوله والذي عليه المعول أن الحديث إن عضدته قاعدة أخرى قال به وإن كان وحده تركه كحديث العرايا فإنه صادمته قاعدة الرب وعاضدته قاعدة المعروف.

وأتى بنا سؤال من أحد الحاضرين إلى معنى القاعدة ومأخذها فقلنا هي قضية تنتزع من دلائل متفرقة في الشريعة حتى تكون قطعية في نفس من استقراها من المجتهدين كقاعدة ارتكاب أخف الضررين فمن مأخذها قوله تعالى: (فأردت أن أعيبها) فإن إعابة السفينة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015