ولهذا كان حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم – على تبليغ الدعوة إلى من لم تبلغه، وحملها إلى كل مكان لعلها تصادف من يعيها، ويفهم حقيقتها، ويدرك عظمتها، فيهب لحملها ويتولى الدفاع عنها حتى ينصرها الله - عز وجل -.
الصحابة في ميدان الدعوة:
شحن الصحابة - رضي الله عنهم - تلك الشحنة الإيمانية العميقة، وخالطت بشاشة الإيمان سويداء قلوبهم، وعلموا أن من حقها عليهم تبليغها لكل من يلقونه، وحملها إلى كل مكان يذهبون إليه.
لم يغب عن الصحابة أن الطريق لن يخلو من عقبات، وأن تبليغ الدعوة سيحملهم الكثير من المشقات، وأنهم سيواجهون أصحاب عقائد فاسدة يذعنون لها ويدافعون عنها، ولم يثنهم ذلك عن حمل العبء الثقيل مضحين بأنفسهم وأموالهم، وجهدهم وأوقاتهم.
خرج أبو بكر - رضي الله عنه - بعد أن التقى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلقى عنه أصول الدعوة، فبشر بها ودعا إليها كل من يثق فيه، وعرضها على أصدقائه في أسلوب أخاذ، فاستجاب له جماعة من وجهاء مكة، وآمن على يديه كبار الصحابة: عثمان بن عفان، الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله.
ولم يكد هؤلاء الأفاضل يعلنون إسلامهم، ويذعنون للحق الذي دعاهم إليه أبو بكر حتى ذهب بهم إلى رسول الله فأسلموا [9] .
ويجلس أصحاب رسول الله يوما فيتذاكرون قريشا وموقفها من الإسلام، ويتمنون لو أن أحدا يسمعهم القرآن ما قد يكون سببا في هدايتهم أو يغيظهم ويقلقهم، فيقولون: من رجل يسمعهم القرآن؟ ويتطوع عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه – ويخاف عليه أن يؤذيه القوم، وليس له عشيرة تمنعه إن أرادوه بسوء.
قال ابن مسعود: دعوني! فإن الله سيمنعني.
وغدا الداعية إلى حيث يجتمع القوم في أنديتهم حول الكعبة وقام عند المقام، وأخذ يتلو سورة الرحمن.