ويمكن أن نقول: إن العالم الإنساني كان مغمورا بموجة طاغية من فساد الاعتقاد. بعضه يهيم في عماء الجهل والتقليد الأعمى، وعبادة الأهواء؛ لأن الوثنية التي كانت من مواريث الجهل والتبعية العمياء استحوذت على العقول والأفهام وبعضه يرسف في أغلال الحجر العقلي ومضلته، ويقي هذا الفساد مستحكما في هؤلاء وهؤلاء، حتى جاء الإسلام لإصلاح هذه الأوضاع الفاسدة، وتحرير الإنسان من هذه الأغلال الجاثمة على عقله وفكره. كانت مهمة القرآن هي العمل على إبطال القاعدة الخاطئة {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} . وتحرير الإنسان من أغلال الحجر العقلي، وسيطرة التبعية العمياء، وتربيته على حرية الفكر واستقلال الإرادة، ليكمل بذلك عقله ويستقيم تفكيره وتتهذب قواه.
فوجَّه القرآن الفكر إلى كل ما من شأنه أن يدعو إلى استعمال العقل والتدبر والتأمل حتى تزول تلك الحجب الكثيفة التي تحول بين العقل والرؤيا الصحيحة للأشياء، وليخلق أمة جديدة هي أمة القرآن العاقلة المفكرة الباحثة الدارسة التي تعلي من شأن العقل وتستخدمه في مختلف شؤونها، وتفتح أمامه آفاقا غير محدودة لاستكناه حقائق الوجود في هذا العالم الكبير.
ولقد اشتملت توجيهات القرآن العقلية على أصول ومبادئ عامة صلحت لأن تكون منهجا فكريا سليما حدد المسلمون موقفهم من مشاكل الكون والحياة، وبالتالي مكنت هذه المبادئ والتوجيهات المسلمين من الاستفادة من تلك الدرة الإلهية التي منحها الله للإنسان وهي: (العقل) فنمته وجعلته يمارس الوظيفة الأساسية التي خلق من أجلها.