وقد أجيب بأنه لا مانع من جمع المختلفي الحكم بلفظ أمر واحد كما في قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [74] فإيتاء الحق واجب والأكل مباح.
وقد ردت هذه الإجابة: بأن هناك فرق بين الأية والحديث:
إذ أن الحديث تضمن لفظة واحدة استعملت في الجميع فتعين أن يحمل على أحد أمرين: الوجوب أو الندب بخلاف الآية فإن صيغة الأمر تكررت فيها والظاهر الوجوب فصرف في أحد الأمرين بدليل وبقي الآخر على الأصل،
وقد عقب الحافظ ابن حجر على هذا الرد بقوله: "إنما يتم على طريقة من يمنع استعمال اللفظ الواحد في معنيين، وأما من يجيزه كالشافعية فلا يرد عليهم" [75] .
كما استدل أيضا لهذا الفريق بالحديث السابق "الختان سنة للرجال مكرمة للنساء"وقد تقدم بيان وجه الدلالة منه وما ورد عليه من مناقشة [76] .
كما أنه يمكن أن يستدل له ثالثا: بحديث اختتان إبراهيم عليه السلام المتقدم.
وجه الدلالة فيه: ثبوت اختتان إبراهيم عليه السلام ويزيده ثبوتا ما جاء في الموطأ "كان إبراهيم أول الناس ضيّف الضيف وأول الناس اختتن وأول الناس قص الشارب" [77] .
والحديث وإن ذكره مالك موقوفا على سعيد بن المسيب، فقد قال الحافظ السيوطي: وصله ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة مرفوعا [78] .
وبما أنه لم يثبت الاستدلال بهذا الحديث على الوجوب فأقل ما يستفاد منه أنه سنة نظرا لأننا قد أمرنا باتباع ما كان يفعله إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} .
قال الشوكاني: والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنية كما في حديث (خمس من الفطرة) ونحوه والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه [79] .