الثالث: جواز كشف العورة من المختون، وجواز نظر الخاتن إليها وكلاهما محرم في الأصل، فلو لم يجب الختن لما أبيح ذلك [68] .
وقد نوقش هذا الاستدلال من قبل القاضي عياض: بأن كشف العورة مباح لمصلحة الجسم. والنظر إليها مباح للمداواة، وليس ذلك واجب إجماعا، وإذا جاز في المصلحة الدنيوية كان في المصلحة الدينية أولى، بل قد يترك الواجب لغير الواجب كترك الإنصات للخطبة بالتشاغل بركعتي التحية وكترك القيام في الصلاة لسجود التلاوة، ومن أمثال ذلك كثير [69] .
الرابع: احتج الخطابي بأنه من شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر حتى لو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين، صلي عليه ودفن في مقابر المسلمين.
وقد نوقش هذا الاستدلال بأن شعائر الدين ليست كلها واجبة، ما ادعاه في المقتول مردود لأن اليهود وكثيرا من النصارى يختنون فليقيد ما ذكر بالقرينة [70] .
الخامس: أن القلفة تحبس النجاسة فتمنع صحة الصلاة، كمن أمسك نجاسة بفمه.
وقد أجيب عن هذا بأن الفم في حكم الظاهر بدليل أن وضع المأكول فيه لا يفطر به الصائم، بخلاف داخل القلفة فإنه في حكم الباطن، وقد صرح أبو الطيب البصري بأنه عذر مغتفر عند الشافعية.
هذه هي أهم الأدلة التي استند إليها من أوجب الختان للرجال والنساء، وقد ذكرنا عقب كل دليل ما نوقش به ليتبين مدى صلابة كل دليل وقوته على الاحتجاج به.
أما الرأي الثاني الذي يذهب إلى وجوبه على الرجال دون النساء فيمكن تقويته بالأدلة التي استند إليها الفريق الأول:
أما احتجاجه على أنه سنة للنساء فقد استدل له بحديث شداد بن أوس رفعه: "الختان سنة للرجال مكرمة للنساء" أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد فيه الحجاج بن أرطاة ولا يحتج به.
وأخرجه الطبراني في مسند الشافعي عن طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس، وسعيد بن بشر مختلف فيه.