نظرنا إلى اليمين فرأينا شيخا كبيرا وامرأة كبيرة أيضا لا يقل عمرهما عن سبعين سنة وهما يتحسسان بجانب البحر في الأرض كل منهما في يده عصا وفي أسفلها آلة وفي أذن كل منهما سماعة مرتبطة بالآلة وهما جادان في البحث يتحسس أحدهما ثم يأخذ يبحث في الأرض فيأخذ شيئا ويضعه في جيبه، وكان الرجل أنشط من المرأة فقلت: ماذا يفعل هذان؟ فقال زميلي الدكتور: لا ندري ولكن يمكن أن نقترب من الرجل ونسأله فاقترب الدكتور والأخ تاج الدين منه وسألاه عماذا يفعل فوقف وأجابهما بهدوء إننا نبحث عن النقود المعدنية التي يرميها البحر ونذهب بها إلى البنك لنأخذ قيمتها ونقتات بها ولنا مدة طويلة ونحن نفعل ذلك واتضح أن في أسفل العصا آلة تشير إلى وجود الحديد.
المنظر الثالث:
رأينا شابا أسودا لا يزيد عمره عن عشرين سنة وهو يحمل فراشه تحت إبطه ويمر بأوعية القمامة التي يرمي الناس فيها فضلات أكلهم أو علب شرابهم وكان يضع فراشه عند كل وعاء ويدخل يده ويحرك ما في داخل الوعاء ويأخذ منه أشياء ويضعها في كيس معه. ورأيناه يرفع يده أيضا إلى فيه والظاهر أنه كان يضع بعض الفضلات في كيسه وبعضها في فمه يفطر بها.
والظاهر أنه يفعل ذلك يوميا، ينام على جانب المحيط ليلا وإذا أصبح ذهب يلتمس رزقه من القمامة، لأن سيره كان عاديا جدا ووقوفه عند كل وعاء عادي كذلك وكيفية تفتيشه في القمامة.
وقصة الزوجين العجوزين بالذات ذكرتني بقصة اليهودي العجوز الذي رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتكفف لينفق على نفسه فأمر بإجراء رزقه وقال: أخذنا منه الجزية في حال قوته وتركناه في حال ضعفه فلو كانت حقوق الإنسان المنادى بها في تلك البلاد مطبقة لأمن رزقهما إما بيت مال الدولة دون مقابل عمل لضعفهما وإما بإيجاد عمل خفيف يناسب شيخوختهما.