وتأمل هذه الآية الكريمة {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ [40] فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [41] فَآزَرَهُ [42] فَاسْتَغْلَظ [43] َ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [44] يُعْجِبُ الزُّرَّاع..} [45] .
إن الآية الكريمة تمثل حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه- رضي الله عنهم- في ترقيهم في الزيادة إلى أن قووا واستحكموا بزرع أثمر وأينع ثم قوى وغلظ ثم استوى واستقام حتى أعجب الخاصة من الزراع والعامة من الناظرين.
إنه تمثيل عجيب، وتصوير فني بديع، يستمد عناصره من الطبيعة فيصل إلى نهاية الإبداع وقوة التأثير إنه يجعلك كأنك أمام مشهد يفيض بالحركة والحياة يجعل الغائب مشاهدا والخفي واضحا جليا، ويقرب المراد من العقل ويرفع الأستار عن الحقائق، ويعرض المعنى في أسلوب مشوق موح مؤثر.
يقول المحقق الألوسي [46] : "وهو مثل ضربه سبحانه وتعالى للصحابة رضي الله عنهم قلوا في بدء الإسلام، ثم كثروا واستحكموا، فترقى أمرهم يوماً فيوما بحيث أعجب الناس.
ثم يتابع الألوسي كلامه فيقول: "وفي الكشاف: وهو مثل ضربه الله تعالى لبدء ملة الإسلام، وترقية في الزيادة إلى أن قوي واستحكم، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قام وحده، ثم قواه الله تعالى بمن معه كما يقوي الطاقة الأولى ما يحتف بها مما يتولد منها.. وظاهره أن الزرع هو النبي صلى الله عليه وسلم والشطء أصحابه- رضي الله عنهم- فيكون مثلاً له عليه السلام وأصحابه لا لأصحابه فقط.."