والوجه في التمثيل: أن من يدعي الإيمان بكتاب نزل من عند ربه وقد طلب بذلك الإيمان أن توقد له نار يهتدي بها في الشبهات، ويستضيء بها في ظلمات الريب والمشكلات ويبصر ضوءها ما قد يهجم عليه من مفترسة الأهواء والشبهات فلما أضاءت ما حوله بما أودعته من الهدى والرشاد وكان بالنظر فيها يمشي على هداية وسداد، وهجمت عليه من نفسه ظلمة التقليد الخبيث وعصب عينيه شيطان الغرور، فذهب عنه ذلك النور وأطبق عليه جو الضلالة بل طفئ فيه نور الفطرة، وتعطلت قوى الشعور بما بين يديه فهم بمنزلة الأعمى الأصم الذي لا يبصر ولا يسمع.

وأما الفريق الثاني: فقد ضرب الله له المثل في قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} وهو الذي بقي له بصيص من النور، فله نظرات ترمي إلى ما بين يديه من الهداية أحيانا، ولمعاني التنزيل لمعان يسطع على نفسه الفينة بعد الفينة، ويأتلق من نظره الحين بعد الحين، عندما تحركه الفطرة أو تدفعه الحوادث لنظر فيما بين يديه ولكنه من التقاليد والبدع في ظلمات حوالك ومن الخبط فيها على حال لا تخلو من الهوالك وهو في تخبطه يسمع قوارع الإنذار الإلهي، ويبرق في عينيه نور الهداية، فإذا أضاء له ذلك البرق السماوي سار، وإذا انصرف عنه بشبه الضلالات الغرارة قام وتحير.. لا يدري أين يذهب؟ ثم إنه ليعرض عن سماع نذر الكتاب ودعاة الحق كمن يضع إصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع إرشاد المرشد ولا نصح الناصح، يخاف من تلك القوارع أن تقتله، ومن صواعق النذر أن تهلكه.. هذا هو شأن فريقي هذا الصنف بما يشير إليه المثلان إجمالا.."

طور بواسطة نورين ميديا © 2015