وهذا صنف آخر من المنافقين كان فيهم بقية من رجاء ورمق من حياة أصاخوا بحواسهم ومشاعرهم إلى صوت الإيمان الحق، فاستجابوا له وآمنوا به.. ثم ساروا في طريق الله، يقتبسون أحيانا من نور التعاليم الإلهية، وتضيء سبيلهم معالم الشريعة ونور الحقيقة، ويسيرون خطوات ثم تتهاوى أقدامهم وتتعثر خطاهم، وتغشى بصائرهم، وتزيغ أبصارهم وينتكسون عندما يحكمون عقولهم، وتطغى عليهم تقاليد موروثة، وتعتلج في نفوسهم رواسب عفنة، فتهيج وتحيد بهم عن الجادة، وتنحرف بهم عن الصراط المستقيم.
يمثل القرآن حالة هذا الصنف الذي آمن ثم نكص، والذي انتفع آونة بإسلامه ثم آض إلى ما كان عليه بحال قوم كانوا يسيرون في مهمة متسع، وفي فلاة فسيحة، يلفهم فيها ظلام الليل الحالك، فوقفوا حيث يلتمسون النجاة ولا سبيل إليها.. ثم نزل بهم مطر غزير فيه رعد وبرق وصواعق، وقصف الرعد ولمع البرق، ودوت الصواعق.. وبين دفقات الخوف، ودفعات الرجاء يمشون خطوات في ضوء البرق الخاطف، ثم يذهب البرق ويذهب معه الضوء ويطبق عليهم الظلام وتحيط بهم العتمة، فيقفون في مكانهم، ويقيمون على حيرتهم ومخاوفهم مجترين أوهامهم وضلالاتهم..
ويقيمون على حيرتهم ومخاوفهم مجتردين أوهامهم وضلالاتهم..
وبهذا التمثيل الرائع أظهر القرآن للمؤمنين أن المنافقين في كل عصر وآن متفاوتون، ليسوا على شاكلة واحدة في الزيغ والمروق والخروج على المحجة والتعاليم، منهم من استقى من منبع الإيمان الصافي، ثم ارتد إلى الوحل يعب من الماء الراكد الآسن.. ومنهم من ظل هيمان صاديا يسدر في غوايته، ويهيم في ضلاله بعد أن ازور عن المنهل العذب وهو منه جد قريب.