وهذا هو معنى القاعدة، فهو حكم عام مستنبط من الكثير الوارد عن العرب، منتزع من الغالب الذي استعملوه، وعلى ذلك كيف نمتنع عن القياس على ذلك الكثير حين يوجد ما يخالفه في نطق القليل، وأن نقتصر على ذلك المخالف وحده دون استخدام القياس الذي يجري على نهج المخالف له؟ أليس من الأولى أن نعتبره شاذا خارجا عن الكثرة كما نصف الفاعل؟

3- قصر القياس على الأفعال التي لم يرد لها مصادر مسموعة، يقتضينا أن نرجع لكل المظان المختلفة ونطيل البحث، وذلك حتى نطمئن إلى عدم وجود مصدر سماعي للفعل كي نستبيح استعمال المصدر القياسي، وفي هذا من الجهد المضني والوقت الطويل ما لا يقدر عليه خاصة الناس، فكيف الحال مع الذي يطلب تعلم اللغة؟ ولو أخذنا به قبل استعمال كل مصدر لحملنا أنفسنا مالا نطيق، ودفعناها دفعا عن الانصراف إلى لغتنا، حتى مع وجود المعاجم فيه جهد ووقت وبخاصة مع المتعلم، وليس كل مبتدئ أو شاذ في اللغة يملك معاجم أو أحدها، يضاف إلى ذلك أن هذا العمل جهد ضائع وعمل مكرر، فلقد استنفد ثقات الأئمة والعلماء جهدهم في استنباط قواعدهم، وانتزاع أحكامهم من غالب كلام العرب الفصيح في دقة وأمانة، فلا مكان لإيجاب الرجوع إلى المسموع قبل استعمال الضوابط والقواعد، لأن في الرجوع إضاعة للجهد والوقت، وتعجيز لغير المتفرغين المشتغلين باللغويات، وإهمال لرأي الثقات من العلماء المتخصصين المتفرغين، إهمالا يستحيل معه أن تستقيم أمور، أو يستقر لها وضع صالح واضح.

فدفعا لهذا يؤخذ بما استنبطه ثقات العلماء ويستند إليه من غير بحث في كلام عربي، أو في مرجع لغوي أو غيره، ولو كان البحث لا يكلفنا جهدا ولا وقتا ...

وهذا ما درجنا عليه في التعليم والتعلّم، يذكر الفعل وتطبق عليه القاعدة للحصول على مصدره بدون رجوع إلى مظان السماع، تطبيقا لرأي الفراء، ولم يكن لرأي سيبويه من نصيب سوى السطور التي تكتب تبيانا لرأيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015