وفي صيغة {أَحْيَاهُم} وفي جرس حروفها تجد النفس معاني الرحمة والفضل والإحسان. وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى حال هؤلاء الناس الباعثة على التعجب الداعية إلى التدبر والتبصر والاعتبار قال في ختام هذه الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} .
وأنت تلاحظين أن الجملة الأولى قد أكدت بثلاثة مؤكدات: إن، واللام، واسمية الجملة.
وجاء هذا التأكيد تعظيماً لشأن هذا الخبر وما اشتمل عليه، وقد يكون لتنزيل الناس منزلة المنكرين من أجل أن أكثرهم لم يكن من الشاكرين.
ولا تنسي أن تتذوقي ما في {ذُو فَضْلٍ} من قوة، فهذه الذال مع الواو ثم هذه الضاد مع اللام المرنان قد أعطت هذه الصفة جرساً فخماً ضخماً في اللفظ وفي السمع يناسب معناها العظيم. ويراد ب {النَّاسِ} الناس جميعاً فهي تشمل الذين أماتهم ثم أحياهم وتشمل غيرهم.
وقد يبادر إلى الذهن من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} أن الناس جميعاً يشكرون لله ذلك الفضل العظيم، فقال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} دفعاً لهذا الذي قد يبادر إلى الذهن ويسبق في الظن، وبياناً لواقع الناس القبيح المعيب الذي قل فيه الشكر والشاكرون.
وفي إعادة لفظ {النَّاسِ} مرة ثانية مع أن المقام مقام إضمار زيادة إيضاح وبيان لهؤلاء الذين لا يشكرون، فزيادة إزراء عليهم وتشنيع.
أختي العزيزة (هل) :
كنت أود أن أحدثك بما جاء في الآيات الأربع عشرة الباقية التي ورد فيها هذا الاستفهام {أَلَمْ تَرَ إِلَى ... } ولكني خشيت أن تملي من طول الحديث على الرغم من أن طول مثل هذا الحديث لا يمل. سأترك ذلك إلى رسالة قادمة أكتبها إليك إن شاء الله تعالى.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
مراجع ما ورد في هذه الرسالة مرتبة حسب ترتيب الأرقام التي جاءت فيها: