ومحل هذه الأفضلية: إن توفر الماء وتوفرت الأحجار وأمكن الجمع بينهما، وإن توفرا معاً وتعذر الجمع بينهما لسبب ما. فالأفضل استعمال الماء فإنه مزيل لعين النجاسة وأثرها معاً، بخلاف الأحجار فإنها غالباً تزيل عين النجاسة ولكن يبقى أثرها.
وهذه الأفضلية في الجمع بين الماء والأحجار التي قال بها جمهور الفقهاء؛ ليس لها سند صحيح من السنة يمكن الإعتماد عليه. وما جاء في بعض الروايات في سبب نزول قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا.. الآية} من أن الأنصار كانوا يتبعون الأحجار بالماء، لم يصح منها شيء. قال النووي في رده على صاحب المهذب في استشهاده ببعض هذه الروايات:"وأما قول المصنف: قالوا نتبع الحجارة بالماء. فكذا يقوله أصحابنا وغيرهم في كتب الفقه والتفسير وليس له أصل في كتب الحديث " [123] .
ثم قال:"فإذا علم أنه ليس له أصل من جهة الرواية فيمكن تصحيحه من جهة الإستنباط؛ لأن الإستنجاء بالحجر كان معلوماً عندهم يفعله جميعهم. وأما الإستنجاء بالماء فهو الذي انفردوا به فلهذا ذكر، ولم يذكر الحجر لأنه مشترك بينهم وبين غيرهم، ولكونه معلوماً فإن المقصود بيان فضلهم الذي أثنى الله عليهم بسببه. ويؤيد هذا قولهم إذا خرج أحدنا من الغائط أحب أن يستنجي بالماء. فهذا يدل على أن استنجاءهم بالماء كان بعد خروجهم من الخلاء. والعادة جارية أنه لا يخرج من الخلاء إلا بعد التمسح بماء أو حجر، وهكذا المستحب أن يستنجي بالحجر في موضع قضاء الحاجة، ويؤخر الماء إلى أن ينتقل إلى موضع آخر [124] .
وما قاله النووي:"وهكذا المستحب إلى.. الخ ". محل نظر.. لأنهم كانوا يفعلون ذلك بحكم العادة أو أن بيوت الخلاء كانت ضيقة.. أو لا تتحمل استعمال الماء بها وربما كان هذا في الصحراء حيث الحجر متوفر. ولكن هذا قد يتعذر الآن. لذلك أرى أن تؤخذ أفضلية أتباع الأحجار بالماء على الإطلاق.