وبعد أن جعل هؤلاء العلماء للقضية وجهان قبلوا الوجه الأول وأقروه وأطلقوا عليه (وجه الضرورة أو الاستعمال النافع) ، ورفضوا الوجه الآخر وأطلقوا عليه (وجه الإدمان أو الاستعمال السيئ) ، وأصبحت (الضرورة) - من وجهة نظر العلماء الماديين - هي المبرر لإضفاء الشرعية على استعمال هذه المحرمات، وهي الحجة التي يقيمونها دفاعا عن وجهة نظرهم. هذا صار موضوع الضرورة من الأساسيات، ومن أهم جوانب الدراسة لقضية تعاطي الخمر وغيرها من المحرمات.
وعلى علماء الأمة الإسلامية أن يولوا (موضوع الضرورة) أهمية خاصة في دراستهم، وذلك بعد أن يتعرفوا على وجه الضرورة عند العلماء الماديين بمزيد من النقص والتفصيل، وعليهم أن يتعرفوا على حالات الاستعمال وملابساتها مستأنسين بدراسات وآراء العلماء الماديين المسلمين المتمسكين بتعاليم دينهم الإسلامي الحنيف واضعين في الاعتبار:
أولا: أن مقياس الضرورة الصحيح وحدَّها السليم وحالاتها المؤكدة وقدرها المقبول؛ يجب أن تكون جميعا كما ذكر علماء الأمة الإسلامية في دراساتهم وتحرياتهم بما يوافق القرآن الكريم والسنة المشرفة (لمن اضطر) .
ثانيا: وأن العلوم الطبية علوم ظنية، وأن الإنسان مجهول، وأن مصلحته في دواء بعينه أو علاج بعينه ليست مصلحة قطعية، ولا يجوز أن ترتب ضرورة على أمر غير قطعي أو أمر ظني.
ثالثا: وأن المسكرات والمفترات - وغيرها من الأدوية التي تؤثر على شخصية الإنسان وفكره وسلوكه، وهي التي تدخل ضمن المحرمات - لها أضرار مؤكدة عاجلة وآجلة بجانب نفعها.
رابعا: وأن هناك تهاونا وقصوراً وتخلفاً في أسلوب الأبحاث والدراسات في مجال الطب والصيدلة والصناعة، وأن العلماء الماديين لم يستنفذوا محاولاتهم وجهودهم وإمكانياتهم لتجنب استعمال المحرمات، وهذا يقلل من شأن الضرورة ويجعل المسئولية في أعناق أولئك العلماء، خاصة المسلمون منهم.