يروي البيهقي في دلائله الحادثتين الآتيتين: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد من بني فزارة، مقرين بالإسلام؛ فسألهم عن بلادهم، فشكوا جدبها لانقطاع المطر عنها، فقام صلى الله عليه وسلم وصعد المنبر، فكان مما حفظ من كلامه: "اللهم أسق بلادك وبهيمتك، أنشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء"؛ فتكلم أبو لبابة ابن عبد المنذر فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسقنا"، فقال أبو لبابة: إن التمر في المرابد، ثلاثا، فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره"؛ فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون، ثم أمطرت، فوالله ما رأوا الشمس سبتا، أي من السبت إلى السبت، حتى قام أبو لبابة يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج منه التمر". وفي رواية: "فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: "أشهد أن الله على كل شئ قدير، واني عبد الله ورسوله".
والحادثة الثانية: أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي وأنشده هذه الأبيات:
وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
أتيناك والعذراء يدمي لبانها
فسل منزل قطر الماء من فضل
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا
وأنت مجاب السؤال، ما أنجب الرسل
وليس لنا إلا الله مهرب
فقام صلى الله عليه وسلم يجر ردائه حتى صعد المنبر، فرفع يديه إلى السماء، ثم قال: "اللهم اسقنا غيثا تملأ به الضرع، وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها"، فما ردّ صلوات الله عليه يديه إلى نحره حتى نزل الغيث.