ولنسمع شيئا من حرمة البلد الطيب عند الله وعند رسوله، ففي حديث طويل بدأه صلى الله عليه وسلم بقوله: "لمدينة حرام…" إلى أن قال: "فمن أحدث فيها حدثا، سرا أو علنا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا"، وكم من أحداث تقع في المدينة وليست حدثا، سرا وعلنا، وقوله صلوات الله عليه: "من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة"، ولكن الذي يسمع الآن، هو أن المدينة حارة جدا والمدينة باردة جدا والمدينة غالية جدا إلى غير ذلك، وبقية خيراتها الدينية والدنيوية يندر أن تذكر، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم "اللهم اجعل للمدينة ضعفي ما جعلت لمكة من البركة"، ودعاؤه: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد"، هذه الأحاديث مروية في الصحيحين، وفي الموطأ قوله: "ما على الأرض بقعة أحب إلي من أن يكون قبري بها منها" - أي: من المدينة - قائلا ثلاثا، وفي الموطأ أيضا: "المدينة مهاجري، وبها قبري، ومنبها مبعثي، وأهلها جيراني، ومن لم يحفظ وصيتي في جيراني سقاه الله من طينة الخبال"، وهي ما يسيل من أهل النار، وغير ذلك كثير، فهل كنا ننتظر أن ينزل عليها المطر ونحن على الأقل لم نحفظ حق الجوار مع خير جار صلى الله عليه وسلم؟! إنه إن ينزل سبحانه الماء يوما، فما أظنه من أجلنا، وإنما ليسقي وينبت من أجل الحيوان الذي لم يأثم، ونحن بعد ذلك تبع، كما ورد ضمن حديث صحيح: "ولولا البهائم لم تمطروا".
إن الذين كانوا هنا يوما ونبيهم أسوتهم، كانوا عندما يصلون صلاة الاستسقاء لا يغادرون مكان الصلاة حتى يبللهم المطر، بل ينزل المطر قبل النزول من فوق المنبر، ولنذكر من زاهر هذا العصر قليلا عسى أن يأخذ منه أهل عصرنا شيئا لأنفسهم.