أما غيب الآخرة فليس منه في دنيانا ما نبصر، وإنما كله فيما لا نبصر، والرد على القول في أن بعض الرسل رأى الجنة والنار وهو في الدنيا، فمع الخلاف في أنهم رأوا ذلك حقيقة أو مناما، أو بوصف الوحي فإن خصوصيات الرسل - على ترجيح الرؤية البصرية - لا تقوم عليها بالضرورة قاعدة لبقية الناس، {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} ، وأصحاب الآراء الأخرى لهم وجه مقبول فيما قالوا، عندما ذكروا قول النبي صلى الله عليه سلم عن الجنة بأن "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، أوضحوا أن كلمات (عين) و (أذن) و (قلب) تشمل عين النبي وأذنه وقلبه صلى الله عليه وسلم، خاصة قوله: "ولا خطر على قلب بشر"، فهو ضمن البشر، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ، فلم يستثن نفسه من كلمات الحديث بشيء؛ فيكون ذلك قيل ليبلغه وما أبصره، فهذا إيضاح لا تنكر وجاهته.
وسيقال أيضا: إن الآيات القرآنية صورت لنا الكثير عن غيب الآخرة، كاللحم والفاكهة، والحور العين والمساكن الطيبة، وأنهار اللبن والخمر بلا غول والعسل المصفى، والنخل والرمان، هذا مع الأحاديث التي وصفت قصور الجنة بأنها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وأن تراب الجنة مسك. . إلى غير ذلك.