فالمفتاح: اسم الآلة يغلق به على شيء يحتاج إليه، والحاجة تقتضي أن يفتح به بين حين وآخر، وإن كانت المفاتيح في الآية معنوية، إلا أنها أعطت معنى الفتح على غيب ليس أبديّ الإغلاق، وإنما يفتح سبحانه علينا منه وبالقدر الذي يجعله قياما لوجودنا في دنياه؛ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} ، {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} ، فخزائنه غيب وما ينزل منه هو الذي يبدو لنا، هذا هو غيب الدنيا الجائز فيه الظهور، وبقية الآية دليل على ذلك، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فقد أطلعنا على بعض ما في البر كالزرع - مثلا - حُزْناه، وفي البحر ضمنا سمك اصطدناه، وما تسقط من ورقة وتبدل بأخرى كذلك ولا حبة في ظلمات الأرض بعد أن أخفيت ثم بالنبت شقت، ولا رطب ولا يابس نرى منه فعلا ما نرى، كل ذلك في كتاب محفوظ مبين.
فهو سبحانه بعد أن نشر هذه الأمثلة لفها بعد ذلك في قوله: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِس} ، فمن الرطب واليابس تتكون الدنيا، ومنهما تفتح علينا مقومات بقائنا، من كل أمر عجيب أبصرناه، وما لم نبصره لا بد أكثر وأعجب؛ {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ} .