فإن قالوا: قبر الرسول عليه السلام له خصائص؛ فلا يماثل بقبر غيره، ولذلك يزار من قريب ومن بعيد وتشد له الرحال، وليس من ذلك تذكر الآخرة الذي يحصل بالمقابر الأخرى أكثر، ولا الدعاء لصاحب القبر، بل لحقوق الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أمته وعظيم قدره..
إن قالوا ذلك أجبناهم بأن نقول: أولا أصحابه رضي الله عنهم أعلم منكم بحقوقه وأكثر منكم تعظيماً له، وما رأوا أن ذلك يستلزم زيارة قبر لا بشد ولا بدونه، وكذلك التابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا، بل إن الذين يزورون القبر الشريف من أهل السنة بدون شد رحل يدخلون زيارته تحت الأمر الشرعي إن كان أمرا أو إباحة، أما حقوقه - عليه السلام- فمعلومة لديهم وعظيمة في نفوسهم وقلوبهم واعتقادهم، وليس منها شد الرحل لزيارة قبره؛ إذ لو كان منها لأمر به وحث عليه؛ فما من جزئية ولا كلية تعود على أمته بالخير والمنفعة في أمور دينهم إلا بينها أتم بيان ودعا إليها ورغب فيها، فما باله - يهمل هذه المسألة؟ أنسياناً ... أم تقصيراً؟ ... حاشاه من كل ذلك.
وأنا والله أعجب كثيراً لفضيلة الشيخ عطية عندما أمرّ ببعض المواضع في بحثه لهذه المسألة، وعندما ألاحظ بعض العبارات وبعض التصرفات، من ذلك أنه لم ينقل في هذا البحث عن غير ابن حجر، وكأن أحدا من علماء المسلمين لم يوجد، أو لم يتعرض لهذه المسألة من أي جانب من جوانبها؛ فلا أدري أكلّ ذلك ثقة مطلقة بابن حجر دون غيره، أم ذلك نتيجة لكسل حالَ بينه وبين بحث القضية في كتب فحول العلماء وأئمة الإسلام، مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذا كتب شمس الدين ابن القيم، وكذا الصارم المنكي لابن عبد الهادي الذي خصصه لبحث هذه المسألة، وقد استقصى رحمه الله البحث فيها ووفى الموضوع حقه.