فيا ترى من زار قبر الرسول، وشد الرحال لهذه الزيارة من أقصى الأرض أو أدناها؛ أي العلتين قصد؟ أيريد أن يتذكر الآخرة؟ فعنده في بلاده، وفي كل بلد من المقابر والأجداث الهامدة ما يسيل دموعه ويحرك قلبه ويذكره بالموت وما بعده؛ فلا داعي لقطع القفار وجوب الديار لقبر أو قبرين أو ثلاثة في أقصى الأرض وأدناها، ومع ذلك هذه القبور الثلاثة - مع أن المقصود منها واحد فقط - وهي محاطة بالجدران المنيعة والأستار الجميلة والزخارف البديعة وشباك الحديد.. الخ. تمنع ذلك الزائر من الوصول إلى القبر أو القبور الثلاثة وتذكر الآخرة بها، بل إن أرضية تلك القبور وما حولها مبلطة مستوية، ولا يعلم أحد على وجه الأرض كيفية تلك القبور الكريمة بالنسبة لبعضها.

(انظر وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى للسمنهودي) .

فهذه الأشياء في نظرنا تمنع من تحقق الحكمة المقصودة شرعاً من زيارة القبور.

أم أن ذلك الزائر يريد الحكمة الثانية، وهي الدعاء للأموات ... أيريد أن يدعو لرسول الله وعلى الله عليه وسلم بالمغفرة والعتق من النار؟.. الرسول عليه السلام ليس بحاجة إلى الدعاء من أحد؛ إذ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد تحققت له السعادة بجميع معانيها وأنواعها - صلى الله عليه وسلم-. صحيح أنه رغّب إلى أمته في أن يسألوا الله له الوسيلة، وكذلك قد أمر بالصلاة والسلام عليه، ولكن ذلك لمصلحتنا نحن لا لمصلحته هو، وإلا فدعاؤه لنفسه ولغيره أحرى بالإجابة من دعاء جميع الناس له، وهذا الدعاء الذي هو سؤال الوسيلة له عليه الصلاة والسلام، وكذلك الصلاة والسلام عليه ليس مكانه عند القبر، بل ليس له مكان مخصوص غير أن سؤال الوسيلة مقيد بسماع الأذان وإجابة المؤذن لحكمة لا نعلمها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015