ولقد كانت مدائح الصولي مجالا كبيرا لشكواه, ومتنفسا عما بنفسه من أسقام وأحزان وما يقاسيه من مكايد ووشايات، أو فقر وحرمان، فهو يضمن مدائحه شكواه من العانتين الحاقدين، الذين لا يدخرون وسعا في ثلبه، وانتقاصه، حتى صار لا ينام الليل، وتكحلت عيناه بالسهاد والأرق، لأنهم يحسدون صلته، بالخليفة، ولكنه يصرح بأن كل شيء يهون لأن الله عوضه فقربه من الخليفة الذي يحس به ويقدره. يقول:
زأرتني أسود حقد عليكم
لم تغيب بغابة وغياض
وفراني الزمان منه بناب
بعدكم مرهف الشبا عضاض
وانتحى آكلا للحمى ورض ال
عظم منى بكلكل رضاض
من حسود منافس لي عليكم
لبحار اغتيابكم خواض
مبغض لي لما أسير فيكم
من مديح، على الأذى حضاض
فأراني الإله ما كنت أرجو
هـ وعوضت أحسم الاعتياض
والصولي في مجال حديثه عن نفسه وشكواه، لا يشكو حساده وعذاله والكائدين والواشين فحسب، بل يشكو أيضا شيخوخته ومرضه وضعف قوته، كما يشكو كبر سنه بعد أن ناهر السبعين، وأصبح لا يهنأ بالحياة أو النوم.. بل هو منتظر يومه الموعود وقدره المكتوب. يقول للراضي:
صرحت بالشكوى إليك تأنسا
بندى يديك إذا غريب عرضا
من بعد ما غال المشيب شبيبتي
ونضا لباس تجملي فيما نضا
وأحارني مرضي وأوهن قوتي
فغدوت منه وقد صححت ممرضا
وإذا دنت سبعون من متأمل
داني ولم ير في اللذاذة مركضا
وجفاه نوم كان يألف جفنه
قدما وأضحى للحتوف معرضا
ويتذكر حياته الرغدة السابقة، وشبابه الفائت الذي لن يعود.. فيبكي قائلا:
أبكي كساء كان أوثق عدتي
إن أخصر البرد العظام ونقضا
ومخدة قد كان يألف لينها
خدي فأضحى الجسم منها ممرضا
ونفيس فرش كالرياض نقوشه
ما كان من دون الرياش مرحضا
ومجمعا قد كنت أجمع آلة
فيه وكان من البلاء مفضفضا