وخصيصة بارزة في مدائح الرجل- وهي دائما أنه ينتقل من المجال الغيري- المديح- إلى المجال الذاتي, فيتحدث عن نفسه وعن أحواله في جميع مراحلها. فهو في كثير من مدائحه للخلفاء يذكر أنه السابق إلى مديحهم, وأنه يتقدم كل الناس بالرغم مما عاناه من كيد الكائدين وبغضهم, وأنه اختار لهذه المدائح أشعارا لم يُقَل مثلها, ولا امتدح بمثلها خليفة من قبل, وتقدم بها إلى الخليفة في قصيدة عصماء تناسب جلالته ومكانته. يقول:

وتقدمت في مدحي له النا

س على الرغم من ذوي الأبغاض

وافترعت الأبكار من عزة الشع

ر فذلك صعبها بامتضاض

ويقول أيضا:

لي سبق المديح منك على النا

س وفخر باسبق في التأسيس

ويقول: إن الشعر كثير , يطلق في أناس وممدوحين مختلفين, ولكن شعري وقف على مديح أمير المؤمنين مقصور عليه, لأنه أولى به وأقدر على تقويمه..

يطلق الشعر في أناس وشعري

وقف مدح على الإمام حبيس

ويتحدث عن غبطته وسعادته لأن الخليفة اختار ليكون له جليسا ونديما, ويبين مدى سعادته, لأنه يستمتع بعذب حديثه المستفاض, ويقول: انه بلغ غايته ومناه, وبشره الناس بالغنى بعد الفقر, وبالعز بعد الذل, وأصبح ينام قرير العين مرتاح البال. يقول:

وتشرفت بالجلوس لديه

بحديث يلتذه مستفاض

وبلغت المنى وبشرني ال

ناس بثوب من الغنى فضاض

وتبدلت بالتذلل عزا

آذن الهم عنده بانقضاض

واطمأن الفراش بعد أن جا

نب جنبي تجنب النهاض

ويذكر دائما ولاءه وصدق نصحه للخليفة, وأن هذا النصح، وهذا الولاء قديم, وسيظل قائما ولن يشوبه أبدا زور أو رياء أو تدليس مهما طال الزمن أو اشتعل الشعر شيبا. يقول:

يا حلى الزمان يا زينة الأر

ض ورأس الملوك وابن الرؤوس

إن نصحي وصدق ودي قديم

لم أَشُبه بالزور والتدليس

قبل أن يأكل الزمان شبابي

خالسا غرتي بشعر خليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015