فقصيدة المديح العباسية لم تكن مديحا خالصا، بل كانت تحمل في فاتحتها كثيرا من أحاسيس الشاعر، وخلجات صدره، كما كانت تحمل وصف الرياض والربيع والقصور، ومقدمات أبي تمام يتجلى فيها هذا الجانب. وأيضا فإنه قدم لقصيدته في فتح عمورية بحديث طويل عن القوة والعقل، وهاجم المنجمين وخرافاتهم. وزعم الاطلاع على الغيب، وقد اشتهر البحتري كذلك بوضع المقدمات التي تصف الرياض والربيع، كما تصف قصور الخلفاء.

كل ذلك كان تجديدا بلا شك من الشعراء العباسيين، اختلفوا فيه عن الشعراء السابقين، وعن منهجهم في التعبير، وفي وصف الرحلة وتحمل المشاق، وغير ذلك مما تطلعنا به قصائدهم ومدائحهم.

فإذا كانت هذه هي مقومات المديحة العباسية بوجهها الجديد – كما نراها عند أبي تمام والبحتري وغيرهما – فهل سار الصولي على نهجهما وتتبع خطا شعراء عصره؟.. أو أنه اتبع طريقا آخر ومنهجا مغايرا، فاستحدث أشياء أضافها إلى مدائحه؟

الواقع أن الصولي وقد عاش في العصر العباسي، ونهل مما نهل منه العباسيون شعراء وأدباء، جاراهم فيما جروا فيه، إلا أنه اختلف في منهجه، وفي مديحه بعض الشيء، فأضاف أشياء لم تكن موجودة عند نظرائه، واختط لنفسه – في مدائحه – منهجا يكاد يعرف به، ربما حدده له وضعه الديني والاجتماعي والأدبين صلته بالخلفاء والأمراء والوزراء..

فإذا نظرنا في مدائح الصولي، وجدناه يقدم لها أحيانا بمقدمات تختلف عن مقدمات معاصريه، فنراه في مطالع مدائحه يبدل المقدمة الغزلية أو غيرها من المقدمات التي اصطنعها الشعراء الآخرون، بوضع مقدمة أخرى تبين استبشار الناس وفرحتهم بحلول خليفة جديد أو أمير أو وزير – يأملون فيه أن يرجع هيبة الدولة, وأمجاد الإسلام, على نحو قوله في فاتحة ضاديته للخليفة الراضي بالله:

أصبح الملك عاليا بأبي العب

اس أعلى الملوك بعد انخفاض

واستفاض السرور في سائر ال

ناس, بملك المهذب الفياض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015