والآن نريد أن نعرف ما إذا كان الكفر بالنعمة غير الكفر بالمنعم، وهو الأمر الذي قلت إني سأفصله بعد، ودعامة الحديث فيه هو الشطر الثاني من الآية {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ، فالكفر هنا الذي أعد الله له العذاب الشديد هو الكفر بالنعمة، المضادُ لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} فهل العذابُ الموصوفُ في الآية بالشدة، والمعلنُ بالقسم منه سبحانه، يمكن ألا يعد إلا للكافر الذي ذكرته الآية هذه، أو من نوعه في قوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} فالكفر بالنعمة يقتضي الكفر بالمنعم، فلا عقل ولا نقل يختلف في هذا أبدا، ولنسمع هذا المثل النازل من السماء، في أمر صاحب الجنتين اللتين آتت كلتاهما أكلها ولم تظلم منه شيئا، فصورة كفره بهذه النعمة الكثيرة في قوله لزميله الشاكر بقليله وما في القرآن من حكايتهما {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} إلى آخر الآيات، فهو لم يشكر النعمة التي ظن أنها لن تبيد، وجره الظن بذلك إلى الظن بعدم قيام الساعة، التي سمع أنها ستبيد الدنيا ومنها حدائقه الواسعة، فلا شيء يُبيدُ بساتينه أو يُغيضُ ماء نهره، ومع أن كلمة الكفر لا وجود لها من هذا الجاحد في كلمات الآية، إلا أن صاحبه وصمه بها على الفور، فلم ينقله من الكفر بالنعمة إلى الكفر بخالقها، وإنما طبعه مباشرة بالكفر بالخالق، عندما قال له: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ؟} إلى أن أعلنت الآية إبادة ما ظن أنه لن يبيد، {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} ، وهكذا بعد الفوات، علم بأن عدم شكره أدى إلى شركه، ومن أمثلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015