وأعلنتم الإيمان بالذكر، فلا يُفْعل بكم عذاب، وغير ذلك كافر يقع به العذاب، ومعلوم أننا ما قصدنا التفسير بالتفصيل، وإنما نأخذ من الآيات الكريمة ما نثبت به حقيقة الشكر، وهو أنه الإيمان كله الذي لا يتجزأ، وأن عكسه الكفر الذي لا يتجزأ أيضا، وحكاية القرآن عن يوسف عليه السلام، عندما لم يمنعه شعور السجين المظلوم عن تعريف من في السجن حقيقة الشكر، حيث يقول بوحي ربه مخاطبا صاحبي السجن الكافرين {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} ، فكلمة يشكرون، جاءت في نهاية حديث وجه إلى كافرين، أو مشركين بإشارة واضحة في الآية الثانية، وأنه قال لهما: إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة هم كافرون، ويشير إلى نفسه عليه السلام بقوله: "ذلك من فضل الله علينا" أي نحن الأنبياء _ لم أوحى الله بالإيمان"، (وعلى الناس) لما أمرنا بتبليغ هذا الإيمان إليهم، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} لا يؤمنون بما أبلغناهم به، وقوله تعالى على لسان نبيه سليمان عليه السلام، لما أرى عرش بلقيس مستقرا عنده في أقل من رمشة الجفن {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ؟} فهو هنا عليه السلام وهو الرَّبيُّ المعلم بالوحي، وضع صريح الكفر إن لم يقع الشكر، فلم تذهله صنعة سرير بلقيس عن ذكر القدرة التي حملته إليه بهذه السرعة، ليس محمولا على طائرة أسرع من الصوت ولا على صاروخ، وإنما في الزمن الذي تستغرقه كلمة (كن) ، وقدرت الآية هذا الزمن بأنه لا يوازي طرفة العين وإنما أقل {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} ، ثم تنتهي