ومن أبشع ما ارتكبه النصارى انتهاك الحرمات وامتهان الكرامة الإنسانية والاعتداء على عفة النساء، فكم من أسير وأسيرة امتهنت كرامتها، ولم يجدا إلى الفداء سبيلاً، وكم من امرأة مصونة اعتدي على عفتها حتى تمنت لو أنها في قبر، وكم من طفل حيل بينه وبين والديه حتى تمنيا أنه لم يولد، وكم من تقي عابد كبل بالسلاسل، وكم من شهيد قطعته السيوف إرباً إرباً.. إنها حال بلغت من القسوة النهاية، وتجاوزت في سوءها الغاية حتى لقد ضج أهل الملأ الأعلى وانفطر منها قلب الجليد، واهتز لها وقار الحليم، ولا شك أن ذلك من أبلغ ما يستثار به غيور أو تستنهض به همة، أو يدعى به إلى نجدة.
وقد استعان الشاعر في تعبيره للوصول إلى هدفه بإثارة العواطف الدينية والأسرية وبالإلحاح على صور المأساة وأوضاعها مما كثف آثارها فجعلها تسيطر على نفوسنا، وتهيمن على حسنا، وتنفخ في جمرة الحمية.
وقد استغل الشاعر ما وصلت إليه النفوس من حماس وغليان فقال:
وسيوفكم للثأر لم تتقلد
أكذا يعيث الروم في إخوانكم
خمدت وكانت قبل ذات توقد
يا حسرة لحمية الإسلام قد
ولكن هذه الصيحات ذهبت جميعاً أدراج الرياح، ونفذ أمر الله، وخرج المسلمون من الأندلس بعد ثمانية القرون التي كانت حجر الزاوية في بناء الحضارة الأوروبية الحديثة.. خرجوا وقد تركوا تراثاً ثقافياً ضخماً على صفحات الكتب وآثاراً عمرانية رائعة على صفحة الأرض تشاهد الآن وكأنها نوادب تبكي قوماً رحلوا، وتتطلع في لهفة إلى عودتهم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المفضليات، ط 3 القاهرة، 201.
[2] عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للبدر العيني ط بيروت، 4/217.
[3] شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، ط 6 القاهرة، 434.