أما قولهم (إن العالم وجد بطريق التفاعل) فنقول لهم مبطلين ما يدّعون: إن المادة التي سيتم التفاعل بين جزئياتها مَنْ الذي أوجدها؟ مَن الذي جعلها قابلة للتفاعل؟ ومَن الذي غاير بينها في الصفات والخصائص؟ لا بدّ من قوة مدبرة حكيمة عالمة بقوانين التفاعل والتغاير، حتى يمكنها أن تعطي ذلك العنصر من الصفات ما يجعله يتفاعل مع ذلك العنصر خاصة بكيفية خاصة؛ لينتج عن تفاعلها شيء خاص، وإلا لو كان التفاعل راجعا إلى عنصرية محضة دون تغاير أو تمايز بين العناصر لكانت نتيجة التفاعل واحدة، ولجاء العالم صورة واحدة متماثلة، كما ينادي بذلك قانون التفاعل في علم الكيمياء؛ لأننا لو وضعنا في مخبر مادتين فتفاعلتا، ثم أحضرنا بعد ذلك آلاف المخابر ووضعنا في كل منها مقدارا من المادتين اللتين وضعتا في المخبار الأول لكانت النتيجة واحدة، ونحن إذا نظرنا إلى العالم وجدنا التغاير بين أفراده وعناصره واضحا ملموسا؛ فلو كان موجودا بالتفاعل بين جزئياته لما وجد ذلك التغاير بين أفراده في خصائصه ومميزاته؛ فهذا معتم وهذا مضيء، وهذا حسّاس نام وذاك جامد لا ينمو، وهذا يعيش في الماء ويموت في اليابس وهذا على العكس من ذلك، إلى غير هذا مما تراه العين، ولا ينكر التغاير بينه وبين غيره إلا مكابر أفّاك ومدّع كذّاب، ولله درّ القائل ردا على منكري وجوده تعالى:

فهرعت ربي أحتمي بحماك

رباه مالي في الكروب سواك

فوجدتها مقرونة بتقاك

رباه إني قد نشدت سعادتي

ينكر وجودك يصبح الأفاك

يا رب أنت الخالق الباري ومـ

موجدا من ذا الذي سوّاك

يا مؤمنا قل للذي زعم الطبيعة

من أبدع الإيجاد في دنياك

يا من تخبط في الضلالة سادرا

متطلعا للخير في أخراك

إن كنت تسعى للحقيقة صادقا

متدبرا ثم احتكم لنهاك

فدع التعصب جانبا وانظر معي

ومن الذي بالنطق قد حلاك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015