ما معنى: آذنتكم على سواء؟ أي تركتكم وعلمكم بالحق كعلمي به، أعلمتكم فأنا وأنتم سواء في معرفة الحقيقة. هذا هو النجاح الحاسم في تبليغ الدعوة: أن توصل الحق إلى الناس فيعرفوه جيداً، ثم إذا انصرفوا عنك بعد ذلك فمن هوى غالب أو جحود حاكم، أو عن رغبة في مشاقة الله ورسوله ـ أنت بعدها أنصفت نفسك وأنصفت ربك وأنصفت دينك.
لكن كثيراً من الدعاة الآن ليس لديهم بيان ولا وضوح الرؤية الذي يستطيع به أن يبلغ حقائق الإسلام للناس.. بل بلغ من هوان الأمة الإسلامية أن اليهود الذين سطوا على البيت وطردوا رب البيت منه واقتحموه ـ استطاعوا أن يقولوا للعالم: إنهم أصحاب البيت!!! وعجز صاحب البيت أن يثبت أنه صاحبه!!
بل بلغ الهوان بنا: أن اليهود يقولون: يهودية.. أما العرب فيقولون: لا إسلام.. ولا نصرانية.. ولا يهودية.. (علمانية) (دولة علمانية) . ومعنى هذا: أننا فرطنا في إسلام بينما بقى غيرنا في ظل علمانية أو قوانين مدنية، بقي مستمسكاً بيهوديته أو نصرانية.
وسبب هذا هزيمة المسلمين: أن العرب خانوا الإسلام، وفصلوا قضية فلسطين عن الدين، وجعلوها عربية. فكانت النتيجة أن انفردت اليهودية (وهي عقيدة) والصليبية (وهي عقيدة) بعرب تركوا الإسلام وراءهم ورفضوا أن يجعلوه شعاراً وأن يعيشوا في ظله. وأي دين باطل إذا التقى بقوم لا دين لهم فالنتيجة واضحة.. إنه سيمرغ وجوههم في الوحل، ولكن هذه المتناقضات كلها يستطيع الدعاة أن يتغلبوا عليها، فنحن لسنا في ظروف أسوأ من الظروف التي بدأ فيها سيد الدعاة رسالته. فقد بدأ والظلام من حوله حالك، وكل شبر من أرض الله يتنكر له، ومع الظلمة السائدة، والعداوة البادية ـ فإن صاحب الدعوة العظيم صلى الله عليه وسلم استطاع أن يغير الدنيا، وأن يطلع بالإسلام فجراً على ظلامها، وصبحا ينسخ كل ما فيها من سواد.
نحن لسنا في ظروف أسوأ من هذه الظروف.