ولقد كانت هذه المناهج والبرامج متبعة منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين, وفي عصر الأمويين والعباسيين الأوائل من بعدهم؛ لأنها كانت تلائم البيئة الاجتماعية التي يحياها العرب المسلمون بصورة عامة في تلك الأزمان. فلمّا تطورت الحياة في العصر العباسي الثاني, ومال الناس إلى التعمق في علوم الكلام والعقائد والمذهب والآداب من شعر ونثر وخط وتجويد ظلت هذه المواد في سمو وتطور طوال العصر العباسي إلى أن تدهورت الأمة الإسلامية, وضعف شأنها بعد سقوط بغداد سنة 656هـ؛ إذ انحطت البرامج الدراسية وتراجع الناس إلى برامج ساذجة لا تهتم بتنمية الجسم والعقل, ولا تعمل على إذكاء روح البحث, وإنما ترمي إلى حشو الأدمغة ببعض القشور ومباحث الجدل والتصوف، فهبط المستوى التعليمي بعد أن كان في الحقيقة السابقة يهدف إلى رفع مستوى الطالب الفكري والاجتماعي والعقلي والوجداني. لم تكن الدولة تشرف على المعلّمين وكتاتيبهم الذين يعملون بها في صدر الإسلام، وإنما كانت الرقابة متروكة لضمير المعلّم ووجدانه وخلقه وأصالته، فقد كان الناس في صدر الإسلام - ومنهم المعلمون- يخافون الله فيما يفعلون وفيما يقولون, وكان كثير من المعلمين والمربين يعلِّمون وهم لا يبغون من وراء ذلك إلاّ الاحتساب وطلب الثواب.