ومهما قيل عن عمر بن عبد العزيز فهو خامس الراشدين، وكان عهده فترة متميزة عن الحياة التي ارتضاها الأمويون، ومع هذا فإنا وجدناه في هذه الحادثة يعطي الشعراء المنح، ناصحا لهم بالتزام الصدق في القول، مذكِّراً إياهم بالسؤال عما يقولون، وعلى الرغم من أنه لم يأذن لنُصيب بقول الشعر في مجلسه إلاّ أنه لم يحرمه من عطائه, وهذا التصرف ينبني عن رعاية من عمر للشعراء مع توجيههم إلى الفضيلة، وتذكيرهم بالخير. وسرعان ما تبدلت الحال بعده، وصارت الحياة الأدبية والنقدية مواكبة لحياة البذخ والترف التي سيطرت على حكام الأمويين, ومن تبعهم من العباسيين، ولولا ظهور الطبقة الأولى من اللغويين والرواة والنحاة في عصر بني أمية، والرعيل الأول من النقاد البلاغيين الذين درسوا قضية النظم لإثبات إعجاز القرآن في عصر بني العباس؛ لم يقدّر للنقد العربي الإسلامي أن تقنّن قضاياه وترسى قواعده، وتتضح معالمه، وتتسع دائرته، حيث ظهرت البلاغة كعلم وهي في جملتها وتفصيلها قانون من قوانين النقد الأدبي، وينتهي القرن الخامس الهجري عصر النضج البلاغي لتستمر جهود المسلمين في النقد والبلاغة كان أوفر من حظ النقد، وظل الحال كذلك حتى ظهور النهضة الأوربية، وكانت جهود الأوربيين في مجالات النقد الأدبي ثم قيام مدارسه المتعددة المتعارضة، ومع فجر القرن العشرين الميلادي رأينا من المسلمين من درس النقد الأدبي في بيئته الغريبة الصليبية, ثم عاد إلينا يصب اللعنات، ويوجه الطعنات إلى نقدنا الإسلامي ولقد خُدع بذلك نفر غير قليل من المهتمين بدراسات النقد الأدبي عند العرب، فبدءوا يرددون شكوك أساتذتهم المستغربين!