4- أن التبعية التي فرضتها ظروف على بعض الدارسين تجعلهم بمنأى عن الواقع الإسلامي الذي كان مسرحا للفن الأدبي حين يتصدون لتقويم هذه الفترة التي لم تكن طبيعة أو مستقرة، فها هو كتاب الله يتنزَّلُ على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم منجَّماً حسب الحوادث، ووفق الأحوال، ينظم شؤون المعاش والمعاد، ويرسم الطريق لفتح القلوب والبلاد، والمؤمنون من حول رسول الله يزدادون إيماناً ووثوقا في نصر الله للمؤمنين، فيدافعون عن قرآنهم بسَنَانهم ولسانهم، ويدفعون الباطل بسلاحهم ونتاج عقولهم، وقد استولى عليهم جو القرآن فأثر في نفوسهم وأفئدتهم، وحَرَّك مشاعرهم وأحاسيسهم، فكان طبيعيا أن يشتغل الناس به يحفظون آياته، ويتدبّرون معانيها، ويدركون مراميها، حتى سيطر جوه الفني على عقولهم وقلوبهم، فكان بمثابة البديل الفني لهذه الأمة عن ذلكم الشعر الذي استولى عليها ردَحا من الزمَن، واستبد بكل جانب من جوانب حياتها طيلة الجاهلية الأولى، وإبان ظهور الإسلام، حتى قيل: إن هذا القرآن - بتأثيره الساحر في نفوس العرب - كان واحداً من أسباب انصراف المسلمين الأوائل عن التعبير الفني فترة من الوقت لأنه أغناهم-مؤقتا- عن جمال الأداء بجمال التلقي والانفعال!!.