وأرْيُ الجَنىَ اشْتَارَتْهُ أيد عواسل [9]
لُعَاب الأفاعي القاتلات لعابه
بآثاره في الشرق والغرب وابل [10]
له رِيقَةٌ طلُّ ولكِنَّ وقعِها
وأعجم إن خاطبته وهو راجل [11]
فصيح إذا استنطقته وهو راكب
عليه شعابُ الفكر وهي حوافلُ [12]
إذا ما امتطى الخمسَ اللطافَ وأفرغت
لنجواه تقويضَ الخيام الجحافل [13]
أطاعته أطرافُ القَنَا, وتَقَوَّضَتْ
أعاليه في القرطاس وهي أسافل [14]
إذا استَعْزَرَ الذّهنَ الذكيَّ وأقبلتْ
ثلاث نواحيه الثلاثُ الأنامل [15]
وقد رَفَدتَهْ الخنصران, وسدَّدَتْ
ضَنىً وسَمِيناً خَطْبه وهو ناحل [16]
رأيت جليلاً شأنُه وهو مُرْهَفٌ
وبعد هذا اللقاء الممتع بين الأديبين, وما سجّلاه في دولة الأدب من المهارة والجدارة.
بعد هذا اللقاء ماذا تريد منّي - يا صديقي - أظنك تريد مَزيداً من أخبار أصدقائي, في رحلتي مع قطرات الضوء. حَسَناً, سأرحل بك إلى وزير آخر عمل وزيراً لثلاثة خلفاء أيضا, هم: المقتدر, والقاهر, والراضي.
ذلك الوزير هو محمد بن علي بن حسن بن مقلة [17] الكاتب, صاحب الخط المنسوب إليه, والذي نقل به الخط من الكتابة الكوفية إلى الكتابة المعروفة الآن بجودتها وروعتها, ولهذا ضرب به المثل في براعة الخط والتفوق فيه.
وقد استطاع هذا الشاعر الكاتب, بلباقته وتأنقه, أن يجمع بين روعة البيان, وبراعة البنان, فكان كمن جمع بين السَّعْدَيْن: جمال الخط, وابتسام الحظ, بل إنه كما قيل: "صعد بجمال الخط إلى جمال الحظ", ولكنه في موكب السعد, هل سلم من الحسَّاد, وكيد الحاقدين؟
إنّ حسّاده، والنافيين عليه بيانه ومكانه, قد دسُّوا له: أنّه زوّر كتابا على الخليفة, ووقِّعه عنه؛ فأقصاه الخليفة عن الوزارة, وأقسم ليقطعنّ يده.