وممّا يسترعي الانتباه في الحديث جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه المنكرات الأربع، بما يشير إلى ارتباط بعضها ببعض، وإلى انسلاخ أصحابها من أخلاق الإسلام، ولهذا لم يرد في سائر الآثار التي عرضت للغناء المباح ذكر لغير الدف - أو الغربال وهما واحد - من أدوات اللهو، مع أنّ العرب قد عرفوا العديد من الآلات الوترية وغيرها أثناء. وإنما دخلت على المسلمين هذه الموسيقي المفلسفة في القرن الثالث على أيدي الفارابي وابن الراوندي وابن سينا وأضرابهم تأثراً بما قرؤوه عنها في تعاليم أرسطو وأتباعه من المشائين، فهي والحالة هذه فن دخيل لا علاقة له بالإسلام، ولا سبيل لإفراغ الصبغة الإسلامية عليه، مهما تكلف المتكلفون، ودبج في الترويج له الكاتبون والمؤلفون!..
وأخيراً أن كثيرين من المخدوعين بدعايات اللهو مأخوذون بالقول أنّ للموسيقي أثرها البالغ في إرهاف الشعور وترقيق القلوب، وتزكية النفوس، وتهذيب الأخلاق، وهو ما ذهب إليه اتباع الفلسفة اليونانية، من المتهمين بدينهم في العصر العباسي وبخاصة أصحاب (رسائل إخوان الصفا) . والواقع أنّ الموسيقي سواء كانت خالصة أو مزيجة بالغناء إنما هي ضرب من وسائل التهييج والتخييل، كأيّ صنف من المخدرات المشتتة للوعي, وهذا ما حفّز هؤلاء إلى أن يدّعوا ما نسبوه إليها من الخصائص، وليس زعمهم هذا إلا كزعم مدمني الخمر والمخدرات حين يقولون: إنها تمنحهم لحظات من السعادة لا سبيل إليها إلا عن ذلك الطريق..