وقبل التعقيب على كلمات الشيخ لا نرى مندوحة عن التذكير بالظروف التي تطرح فيها مثل هذه الأسئلة، وموقف الفقيه في تقديرها عندما ينتدب للجواب عليها.. فما زال صحيحا أنّ الحكم في الشيء فرع عن تصوره، وأقل ما يجب التنبيه إليه بإزاء هذا الضرب من الاستفتاءات - بل الاستدراجات - هو ذلك الوضع الذي صار إليه الغناء منذ غياب العهد الراشدي، وما أعقبه من تخلخل الضوابط الإسلامية في حياة المجتمع، حتى غلب اللهو على الجد، واقتحم المجون ميدان التوجيه الشعبي، فزاحم عليه كل المقومات الفضلى، وبذلك أفرغت نفوس العامة من عناصر القوة، ثم انتهت إلى الانهيار الذي دمّر أخيرا حضارة الإسلام، وذهب بقوة المسلمين في غرب العالم الإسلامي وشرقه..
الإسلام والغرائز:
إنّ الغناء في أصله ليس إلا وسيلة فطرية للتنفيس عن النفس، فإليها يلجأ الإنسان في فرحه وحزنه وحيرته وقلقه، وذلك أمر مشهود في الطفل والشيخ، والمحزون والمحبور والمتعب، وحتى في الحيوان، وغير معقول أن يمنع الإسلام هذه الغزيرة من التعبير عن ذاتها عند الحاجة، وهو الذي راعى في نظامه الأقوم وآدابه البنّاءة كل جوانب الفطرة, فأرشد إلى خير السبل في توجيهها واستصلاحها والموازنة بين عناصرها جميعاً.