وهذه الحضارة الإنسانية التي بزغت بمولد الرسول الكريم هي التي وقف في طريقها (شارل مارتل) , وكان الغربيون الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام يمجّدون هذا القائد بل يقدسونه، فلما ظهر فيهم من أدرك أهداف الرسالة الإسلامية السامية, وعرف حقيقة دعواها, وعظيم فحواها, تغيّر حكمهم على تلك الحادثة التاريخية واعتبرها كثير من المستشرقين انتكاسة للإنسانية, والحضارة يوم أن انتصر شارل مارتل على القائد الإسلامي عبد الرحمن الغافقي في معركة (تور) وتقوقعت الحضارة الزاهية في الأندلس بعد أن نشرت العلم والحضارة والنور, وقال مسيو هنري دي شامبون:
"لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي على تقدم العرب في فرنسا، لما وقعت فرنسا في ظلمات القرون الوسطى، ولما أصيبت بفظائعها، ولا كابدت المذابح الأهلية الناشئة عن التعصب الديني والمذهب، ولولا ذلك الانتصار البربري على العرب لنجت إسبانيا من وصمة محاكم التفتيش. ولولا ذلك لما تأخر سير المدينة ثمانية قرون. نحن مدينون للشعوب العربية بكل محامد حضارتنا: في العلم، والفن، والصناعة, مع أننا نزعم السيطرة على تلك الشعوب العريضة في الفضائل, وحسبها أنها كانت مقال الكمال البشري مدة ثمانية قرون, بينما كنا يومئذ مثال الهمجية. وإنه لكذب وافتراء وما ندعيه من أنّ الزمان قد اختلف، وأنهم صاروا يمثلون اليوم ما كنا نمثله نحن فيما مضى".