هذه الآية تدل على أنهم قتلوا بعض الرسل, ونظيرها قوله تعالى: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} الآية.
وقوله: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} . وقد جاء في آيات أخر ما يدل على أن الرسل غالبون منصورون كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} , وكقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} , وقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} وبيّن تعالى أن هذا النصر في دار الدنيا أيضا كما في هذه الآية الأخيرة وكما في قوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية.
والذي يظهر في الجواب عن هذا أن الرسل قسمان: قسم أمروا بالقتال في سبيل الله, وقسم أمروا بالصبر والكف عن الناس, فالذين أمروا بالقتال وعدهم الله بالنصر والغلبة في الآيات المذكورة, والذين أمروا بالكف والصبر هم الذين قتلوا ليزيد الله رفع درجاتهم العلية بقتلهم مظلومين, وهذا الجمع مفهوم من الآيات لأن النصر والغلبة فيه الدلالة بالالتزام على جهاد ومقاتلة, ولايرد على هذا الجمع قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} الآية. أما على قراءة {قُتِلَ} بالبناء للمفعول فنائب الفاعل قوله: {رِبِّيُّونَ} لا ضمير نبي وتطرق الاحتمال يرد الاستدلال, وأما على القول بأن غلبة الرسل ونصرهم بالحجة والبرهان فلا إشكال في الآية والله أعلم.