لقد قضى الإسلام على هذه النعرة أيضاً، كما قضى على غيرها بما ذكرناه في أول المحاضرة، عندما صاح بها النبي الأبي، يرمي بعيداً من يبتغي عصبيته أو قوميته وأهمل عقيدته "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى"فهنا وضع للأفضلية الدّعامة التي يستحيل أن يكون لها بديل، لأنها أخذ من وحي السماء، وهي التقوى، إنه صلوات الله عليه وهو العربي، لم يلق من العنت والعسف اكثر مما لقي من العرب، بل من أقرب الأقربين من العرب، فأعمامه الذين هم صنو أبيه، أثبت أهل السيّر أنهم كانوا اثني عشر عماً، وأبوه ثالثُ عشرهم، وعماته ست، فيكون المجموع ثمانية عشر دون أبيه، وعُدُّوا جميعاً بالاسم، لم يُسلم منهم إلا حمزة والعباس وصفية رضي الله عن الثلاثة، والباقون شاقوا الرسول وآذوه بأشد ما يكون الإيذاء، وعكس ذلك تماماً ما حدث، فكان من الندر الأول للإسلام ودخلوا في السابقين الذين مجدهم القرآن من ليسوا عرباً على الإطلاق، فسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، تاريخهم في الإسلام مضيئ، وارتفعوا حتى نسب بعضهم إلى بيت النبوة، بل ووصل بلال إلى مرتبة ما روى البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال يوماً: "يا بلال ما تصنع في الإسلام؟، ما دخلت الجنة إلا وسمعت دف نعليك بين يديّ"قال: يا رسول الله لا شيء غير أني إذا توضأت صليت ركعتين بعد الوضوء) ، وهكذا أصبحت هاتان الركعتان سنة في الشريعة، سنها بلال واعتمدها الرسول، فكم من العرب والمسلمين الآن يؤدون هذه السنة التي بدأها هذا الحبشي الغيُر عربي رضي الله عنه، وبلغ الأمر أن سمع الرسول دقة نعله تصطدم بأرض الجنة، وهو لا زال في الدنيا، ومشت على هذا الصراط أمتنا الإسلامية سنين عديدة، لم تقم وزنا لحسب ولا عصب، واختفت الذي حبسته فيه طويلا أخوة الإسلام، إلى أن جاء عصرنا هذا، فحرص الأعداء المستعمرون الذين احتلوا معظم رقعة الأرض الإسلامية أحقاباً طوالا، ألا ينجابوا عنها إلا بعد أن