فاعتصموا جميعاً بحبل ولم يتفرقوا، أما إذا أخلد الإنسان إلى الأرض واتبع هواه، ونسي ربه الذي سواه، وأصبح فكره حبيس نفس غرور؟ ولم يخطر بباله ذلك الطين الذي خلق منه، حتى ولو ادعى بأن له ديناً فيمسي على الفور عنصريا عصبياً ومفرقاً غريباً، فيبدأ بتمييز ذاته عن ذوات الغير، فإذا انتقل داخل وطنه ميز مسقط رأسه فإذا انتقل إلى وطن آخر ميز وطنه، فإذا انتقل إلى قارة أخرى ميز قارته، ثم لا ينسى أن يميز نفسه بلونه، ولنا في هذا تفصيل يأتي بعد إن شاء الله، بل ووصل الأمر إلى العيب على ما يرتديه الغير من زي، لأنه ليس كما يلبس هو وقومه، على العادات العادية ولأنها تخالف عاداته وقومه، بل وعلى نوع الطعام لأنه مخالف لطريقة ما يطهى عندهم ويطعم، بل وعلى اللهجات يسخر منها حيث لم تكن كما ينطق هو ويتكلم، وهكذا أصبح يعيش في نفس عيابة نسيت عيبها، فقد نسيت بارئها وما منه صُنعت، لأن عنصريته التي قام عليها كيانه، لم تفهم صيحة القرآن في الناس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} فالنداء المعظم بدأ أولا لكل الناس، يذكركم بأن الأب واحد والأم واحدة، آدم وحواء، أي كلم أشقاء، ولما تكاثرتم نثرناكم في الأرض، فأصبحتم شعوبا وقبائل هنا وهناك، لكن ذلك لا ينسيكم أصل الأبوين، فتعارفوا لتشعروا بأنكم على سواء، والأشقاء في النسب شيء واحد، لكن لن يكونوا شيئاً واحداً إذا ما تحول التعارف بينهم إلى معرفة بربهم، لأن معرفة الله تعطي صفة الإيمان، ومن الإيمان يأتي التآخي وهو أعلى من التعارف، لأن التعارف عام بين كل الناس، والتآخي خاص بين المؤمنين حتى ولو كانوا أشقاء، فقد يكون بين الأشقاء من استقام ومن اعوج، بل قد يكون منهم من آمن ومنهم من كفر، ولهذا سمَت خصوصية التآخي على عمومية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015