ولكن الذي يهيج المسلم ليتكلم، هو ما يقع من أهل دينه من تصرف صارخ مضاد تماماً لتعاليم هذا الدين، ذلك أن افتك وباء أصبنا به نحن مسلمي هذا الزمان، ما سماه الأعداء بالتطور قد شغفنا حبا، فأصبحنا بهم في كل أعمالهم معجبين متيمين، ولو تظاهرنا في ذلك بالتأبي وعدم الرضا، فالمعروف أن صورة العمل تبطل صورة القول، ولم يسلم حالنا مع عدونا من تقليده في بلاء التفريق والتمييز، فظنه الكثير منا أنه طابع من مدنية القرن العشرين الميلادي، فوباء العنصرية والتفريق بدأ يفشو في الأمة الإسلامية، مع علمها بتحريم الإسلام، وهذا بدافع تقليد عدوها المكب على وجهه من جهة، ومن جهة أخرى لفراغ صدور أهلها من معرفة دينها، ولكي تتسم كلماتنا بالإنصاف نقول إن ملازمة هذه الصفة المقيتة للإنسان، ثابت أمرها من أقدم الأزمان، بل هي أول صفة استعملها الشيطان مع أول بشر، في قصة إبليس مع آدم، لما ميز نفسه وتوهم الفرق بين العنصر الذي خلق منه وهو النار، والعنصر الذي خلق منه آدم وهو التراب {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فأدت به هذه العنصرية إلى الطرد الأبدي من رحمة الله، إذاً فالأصل في العنصرية أنها صفة إبليسية، ومن تلبس بها فقد يؤدي به ذلك إلى الطرد من رحمة الله كما طرد شيطانه، تلك قضية واقعية لا نمارى فيها، لكن انطواء هذه العنصرية أو انطلاقها على مدى الدهور، يكون حسب معرفة الإنسان لصانعه ولأصل صنعته، فإذا ما أدرك قدرة الصانع الأعظم سبحانه عرف ضالة نفسه باعتباره مصنوعاً، وإذا أدرك أصل صنعته وهو التراب عرف تفاهة قدره، وأن أمره كأمر كل الناس، فلا موجب لديه يجعله يميز نفسه عن غيره، فالصانع واحد هو الله، والأصل واحد هو التراب، تدوسه النعال، كلكم لآدم، وآدم من تراب"، فإذا ما علم هذا وسيطر على الأفهام في أي عصر، سيطرت روح التآخي، وهيمنت مشاعر التواصل، وانزوت نزوات التعالي والكبر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015