وواضح أن الزمخشري لم تظهر لديه الفروق بين أنواع هذين العلمين، فخلط بين هذه الأنواع، ولم تكن له مزية سوى السبق إلى هذه التسمية، على أنه مما لا شك فيه أن صنيع السكاكي قد شجع الخطيب القزويني على جعل علوم البلاغة ثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع، وشرح البيان بقوله: "علم يُعرَف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه" [13] .
وهذا التعريف على وجازته مقتبس من تعريف السكاكي؛ كما ترى.
ولما جاء السَّعد التفتازاني المتوفى سنة 792هـ صاحب المطوّل، والمختصر في شرح: تلخيص المفتاح للخطيب القزويني ذكر في كتابه المطول تعريف الخطيب السابق، وتعريفاً آخر للبيان قائلا: "والأقرب أن يُقال: علم البيان: علم يُبحث فيه عن التشبيه والمجاز، والكناية [14] ..".
والذين جاءوا من بعد السعد من علماء البلاغة المتأخرين لم يزيدوا على ذلك شيئاً عن التعريفين المشهورين لدى البيانيين.
هذا ومن الوضوح بمكان أن ابن المعتز قد سمَّى كتابه ((البديع)) الذي أرسى به أسس البلاغة الفنية الخالصة، وهو غير البديع الذي جعله الخطيب علماً ثالثاً مستقلا عن علمي: المعاني، والبيان، ذلك أنه يعني بالبديع: الجديد المستحسن لطرافته وغرابته لدى النفوس، بل إن البديع تعبير عن مسلك تجديدي في الشعر العباسي كان يقوده الشعراء: مُسلم بن الوليد، وابن المعتز، وأبو تمام، والبحتري، وغيرهم ممن نهج طريق التجديد البديعي والصياغي.