ولم يكن ابن رشيق القيرواني المتوفى سنة 462هـ _صاحب (العمدة) [8] الذي عاش في المغرب- أبعد أثرا من معاصريه: الخفاجي، والجرجاني اللذين عاشا في المشرقن فكل ما صنعه أنه عقد باب ((البيان)) في كتابه، ونقل فيه تعريف الرُمَّاني للبيان، ثم ساق أمثلة للبيان الجيّد، وللبيان الموجز، وأتبع ذلك بأنماط من أقوال الخلفاء الراشدين؛ منهياً إلى أن الجاحظ _وهو عَلاَّمة وقته _ استفرغ الجهد وصنع فيه كتاباً لا يُبلَغ جودة وفضلا ثم ما ادّعى إحاطة بهذا الفن لكثرته، وأن كلام الناس لا يحيط به إلا الله عز وجل.

وظلت هذه المفاهيم: البيان، البلاغة، البراعة، الفصاحة، البديع متشابكة لا تحديد فيها، ومختلطة لا تمييز بينها، حتى كان تقسيم علوم البلاغة على يد صاحب (مفتاح العلوم) أبو يعقوب يوسف السكَّاكي المتوفى سنة 626هـ؛ حيث جعل البلاغة علمين هما: المعاني والبيان [9] ، وألحق وجوه تحسين الكلام وتزيينه بهذين العلمين [10] .

وبهذا التقسيم برز البيان الاصطلاحي الذي عرّفه السكاكي بقوله: "هو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه، وبالنقصان؛ ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه" [11] .

ولقد سلم هذا التقسيم وذاك التحديد للسكاكي فكراً وتطبيقاً على الرغم من أن الزمخشري المتوفى في 528هـ هو أول من أطلق هذه التسمية! علم المعاني وعلم البيان، في مقدمة تفسيره المعروف بـ (الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) ؛ حيث قال: "ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان" [12] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015