ومما يبين هذا أن أئمة علماء الكوفة الذين صحبوا عمر وعليا رضي الله عنهما كعلقمة والأسود وشريح القاضي وغيرهم كانوا يرجحون قول عمر على قول علي. وأما تابعوا أهل المدينة ومكة والبصرة فهذا عندهم أظهر وأشهر من أن يذكر وإنما الكوفة ظهر فيها فقه علي وعلمه بحسب مقامه فيها مدة خلافته، وكل شيعة علي الذين صحبوه لا يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لا في فقه ولا علم ولا غيرهما بل كل شيعته الذين قاتلوا معه عدوه كانوا مع سائر المسلمين يقدمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما إلا من كان علي رضي الله عنه ينكر عليه ويذمه مع قتلهم في عهد علي وخمولهم وكانوا ثلاث طوائف طائفة غلت فيه كالتي ادعت فيه الإلهية وهؤلاء حرقهم علي رضي الله عنه بالنار. وطائفة كانت تسب أبا بكر وكان رأسهم عبد الله بن سبأ فلما بلغ عليا ذلك طلب قتله فهرب. وطائفة كانت تفضله على أبي بكر وعمر قال: "لا يبلغني عن أحد منكم أنه فضلني على أبا بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري". وقد روي عن علي رضي الله عنه من نحو ثمانين وجها وأكثر أنه قال على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر"- إلى أن قال - ورأس الفضائل العلم وكل من كان أفضل من غيره من الأنبياء والصحابة وغيرهم فإنه أعلم منه قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} .
والدلائل على ذلك كثيرة وكلام العلماء في ذلك كثير".