وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فليستعذ بالله ولينته" فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليُعْرِض عن الفكر في ذلك وليعلم أن هذا لخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليُعْرِض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم".
وقال الحافظ في الفتح في الكلام على حديث أبي هريرة المذكور في أول هذا الجواب ما نصه: "قوله: "من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها، قال الخطابي: "وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكفَّ عن مطاولته في ذلك اندفع"، قال: "وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان"، قال: "والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه كلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور فإذا راعى الطرقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما أُلزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك".
قال الخطابي: "على أن قوله: "من خلق ربك" كلام متهافت ينقض آخره أوله؛ لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل وهو محال وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث، فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات"انتهى. والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر؛ لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله". فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره.