أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} أي أصبتم مثليها في بدر، قتلتم سبعين وأسرتم سبعين، وهم الآن قتلوا منكم سبعين ولم يأسروا أحداً، والأسر عند العرب أعظم من القتل {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} تساءلتم ونسيتم السبب، قل لهم أيها الرسول {هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي لما عصيتم بترك أماكنكم بغير إذن.
الإخوة والأبناء: لكن فرقة الرماة هذه، قد حمل عليها من بعض من ادعوا تأريخ التاريخ إجحافاً بغير إنصاف، وقد جهلوا أمرين هامين: أولهما أن القرآن أنصفهم بمنة عظيمة مع الممتن عليهم من جند أحد، فمعصية الرماة لم تكن معصية تعمد، وإنما معصية تأول، فالمتحاملون على الرماة لم يعلموا قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، فالعفو هنا شامل للكل بما فيهم الرماة، وأنهم لا زالوا مؤمنين مستحقين لفضل الله والتصوير الطبيعي للبلبلة التي وقعت في أحد، يمكن أن تقع لكل إنسان مهما كانت رباطة جأشه، فإذا مزح معك صديق وجاءك من الخلف وصرخ فجأة، ينخلع قلبك وتقفز هلعاً، وذلك وضع بشرى وقع لرجال أحد وهم في نصر ما تصوروا معه هزيمة من الأمام فكيف من الخلف، وما تصوروا أن ثغرة الرماة ستفتح أبداً بعد الأوامر المشددة الموجهة إليهم.