هذا ما جنته الكنيسة على الإنسانية في الماضي والحاضر وهذا ما قدمته لها، وأما قيم الإسلام ومثله العليا ورسالته التي أنقذ بها العالم والحضارة الإنسانية الشاملة التي شيد صورها والحركات العلمية التي أنبتها نباتا حسنا في ظل رعايته عبر التاريخ شيء يغنينا اشتهاره عن الإطالة فيه، ولا تزال آثاره ماثلة على مرأى من الأوروبيين في بلادهم وفي التراث العلمي العريق الذي خلفه المسلمون في مكتبتهم الزاخرة العامرة. والسؤال الذي يهجم على الإنسان الآن بعد ما تقدم هو ما يلي: إذا كانت للمسلمين هذه الحصانة في العقيدة والشريعة والكتاب والرسول وهذه الأمجاد التاريخية فكيف يتسرب إلى صفوفهم المبشرون وهم من وصفت في العقيدة والشريعة والرسول والكتاب والتاريخ؟ والجواب عن هذا السؤال هو أن المبشرين لم يأتوا إلى المسلمين بشيء أفضل مما عندهم فيما ذكر ولكنهم وجدوا في المسلمين ثغرتين كبيرتين تسربوا منهما إلى بيوت المسلمين وقلوبهم. هاتان الثغرتين هما تخلف المسلمين الاقتصادي وتخلفهم العلمي، وأما التخلف الاقتصادي فأمر ينتظم العالم الإسلامي كله والفقر المدقع عامل مشترك بين أبناء الأمة الإسلامية التي تتربع على منابع الثروات العالمية، والتخلف الاقتصادي في الحقيقة نتيجة طبيعية للتخلف العلمي الذي يعاني منه المسلمون في كل ميدان من ميادين الحياة.