وكان المجال الطبيعي لهم هو البلاد المختلفة دينيا وحضاريا وكان العالم الإسلامي في مقدمة هذه البلاد المختلفة لذلك كان الهدف الرئيسي للمبشرين الذين انطلقوا في الأرض يبشرون لا بالديانة المسيحية ولكن بالاستعمار الجديد الذي كانوا يمثلون طلائعه في كل بلد، وكانت مراكزهم ومدارسهم القواعد الفكرية التي مهدت للاستعمار وروجت للغزو الفكري والحضاري وأوجدت القابلية للاحتلال وقدمت المبررات والمسوغات لهذا الغزو باسم العلم والمدنية وعلى أنه الطريق الوحيد للتقدم والرقي واللحاق بركب الحضارة، وقد خدمت حركة التبشير هذه جهتين مختلفتين: الجهة الأولى: هم المبشرون الذين وجدوا مصدرا جديد للارتزاق بعد أن سدت في وجوههم أبواب الرزق في بلادهم، والجهة الثانية هي الدول الاستعمارية ((اللادينية)) التي تولت طرد هؤلاء من بلادهم ثم أمدتهم بعد ذلك بالمال الوفير لا إيمانا منها بدعوتهم ولكن لأن المبشرين كانوا ولم يزالوا طلائع الغزو الاستعماري والممهدين له بغزو فكري مسبق. وعلى هذا الأساس كان هذا التلاقي الغريب بين الأضداد في حركة التبشير.
ولقد حمل المبشرون أوزارهم وجاءوا يدعون إليها في بلاد المسلمين، جاؤوا ببضاعتهم المزجاة وتجارتهم البائرة التي لم تجد لها سوقا رائجة بين أبناء جلدتهم جاؤوا إلى بلاد المسلمين آملين أن يجدوا سوقا نافقة لبضاعة أعرض عنها أهلها وذووها جاؤوا ليجدوا أمة غنية في الأخلاق غنية في التراث العلمي العريق، ذات ماض مجيد وحضارة مشرقة تتلألأ في بطون التاريخ، ووجدوا مع ذلك كله تخلفا مريعا في ميدان العلم والأخذ بأسباب الحياة الجديدة ومسايرة ركب الحضارة، مع جهل فاضح بالدين الذي ينتمون إليه وبالتراث الذي ينسب إليهم.