ولقد كان علم أصول الفقه كسابقة علم مصطلح الحديث من العلوم المستحدثة فلقد كان العلماء في الصدر الأول في غينة عنه لأنهم كانوا على تمام العلم باللغة العربية يعرفون معاني ألفاظها وما تقضي به أساليبها وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقربهم منه ومعرفتهم بالأسباب التي من أجلها كانت الشرائع أكسبتهم معرفة بسر التشريع ذلك إضافة إلى ما امتازوا به من صفاء الخاطر وقوة الذكاء وحدة الذهن فلم يكونوا بحاجة إلى شيء وراء ذلك في استنباط الأحكام من مصادرها, فلما جاءت بعدهم أمم اختلطت بغيرها وانقلبت العلوم كلها صناعة احتاج العلماء إلى وضع قواعد هذا العلم لاستفادة الأحكام من الأدلة وليتقيد الفقيه بها في استنباطه حتى لا يخرج عن الجادة دعما للحق وحدا للأهواء.

وهكذا لم يعرف التاريخ حتى الآن أمة من الأمم جعلت لبحثها العلمي منهجا واضحا صحيحا لا يأتيه الضلال من بين يديه ولا من خلفه غير الأمة المسلمة.

ومن هذه الخلاصة السريعة جدا عن المنهج العلمي للبحث عند المسلمين أخذتها من واقع أبحاثهم تبين لنا مدى ما يعتمد عليه العلماء في أبحاثهم من المنهجية والموضوعية المجردة فالعلماء المسلمون يبحثون أول ما يبحثون عن ثبوت النص كما رأينا فإن ثبت عندهم صحة النص بتلك الطريقة الدقيقة الواضحة فلا بد بعد ذلك من فهمه فهما دقيقا ضمن شروط قاسية ودقيقة.

وليس لكل من هب ودب, ولا لأنصاف المتعلمين وأرباعهم وأصفارهم وأدعيائهم, ولا لمن لم تتوفر العدالة فيهم من ملاحدة هدامين, أو فسقة متحللين, ولا من استعمرت الثقافات الأجنبية عقولهم, ولا من يتقربون للزعماء والرؤساء بالتحليل, أو يتملقون العامة بالتحريم أن يتصدر للفتيا والاستنباط وإذا كان الطب والهندسة مباحا للجميع مثلا ولكن لا يجوز لدجال أن يتعرض لعلاج المرضى ولا لمن لم يدرس الهندسة أن بيني سدا أو يصمم حصنا فإن الفهم والاستنباط مباح بهذا المعنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015