وهكذا نجد أن الروح الصليبية نشأت منذ وجد للإسلام كيان ودولة في هذه المدينة المنورة وانتزع من النصارى ما زعموه لأنفسهم من مكانة دينية، ثم تفجرت وغلى مرجلها بعد الصدام المسلح الذي وقع بين المسلمين والدولة البيزنطية لا سيما بعد معركة اليرموك الظافرة التي لقيت فيها جيوشهم هزيمة نكراء تحطمت فيها قواهم وخرج بعدها رأسهم هرقل إمبراطور الدولة الرومانية من بلاد الشام هارباً والأسى والحزن يعصر قلبه عصراً، وقد عبر عن ذلك حين ركب البحر واستقل السفينة وألقى نظرات الوداع الأخيرة على شواطئ سورية الجميلة فلم يملك نفسه أن أطلق صرخة أودعها كل ما عنده من أسى وحزن وكمد فصاح قائلاً: الوداع، الوداع، إلى الأبد يا سورية، وداعاً لا لقاء بعده. وقد كان كذلك ولله الحمد …
لقد نشأت هذه الروح منذ ذلك الحين ثم ما زادتها الأيام والأحداث إلا اشتعالاً واتقاداً وتفجراً وغلياناً، إذ دأب رجال الكنيسة إلى إبقاء جذوتها متقدة متوهجة، منتهزين كل انتصار يحرزه المسلمون ليسهل عليهم تسخيرها في أي وقت لدفع الكتل البشرية النصرانية في موجات تخريبية من الغزو الصليبي المدمر، والفتك بالمسلمين كلما قدروا عليهم.. وليس هذا فحسب بل أراد رؤوس المعسكر النصراني الصليبي أن يجعلوا هذه الروح الحاقدة تقليداً لأتباعهم وشعوبهم وطقساً من طقوسهم يشيب عليها الكبير، وينشأ عليها الصغير، ويرضعها الوليد مع لبن أمه.. وذلك حتى يمسي التخلص من الإسلام ورد المسلمين عنه أو إبادتهم هو الشغل الشاغل لكل نصراني على وجه الأرض وليس فقط لرؤوس المعسكر النصراني الصليبي..